شريط

31‏/10‏/2012

طرب لحجي: ته دلالاً

كلمات: ابن الفارض (سلطان العاشقين) ، لحن وغناء: محمد سعد صنعاني

الملحن محمد سعد صنعاني"وكانت لمحمد سعد درايةٌ كافية باللغة وصرفها ونحوها. ما كان ، رحمه الله، يلحن في القراءة أو يتقرّأ في اللحن. إذا غنى الفصيح سعدت الفصحى بغُنائه وغِناه. مكّنته معرفته للغة وأسرارها من إتقان اختيار النصوص، وقادته نفسه الشاعرة وبصيرته بخوافي الكلم إلى خلق الروائع.

إنّ الشعر موسيقى ولذلك قالت العرب: أنشد فلان قصيدة. وقد كان الصنعاني شاعراً مبدعاً استطاع إنشاد القصائد. ودلتنا حسن قراءته الموسيقية للشعر على مكانته المتميزة في صرح الغناء اللحجي. ليس قراءة النص موسيقياً بالأمر الهين بل هي تتطلب إدراكاً بعيداً لمعنى النص ، وبمقدار عمق فهم النص يكون جمال اللحن. والأصعب من ذلك وضع المقدمات الموسيقية للأغاني، وهذه تعني قراءة معمقة ثانية للنص الملحن ، لا يقدر عليها سوى قلب موهوب متفرد ، وقد أبدع الصنعاني في هذا وفي ذاك وأجاد ، ويكاد لا يدانيه أو يقاربه في موضوع المقدمات في بلدنا أحد." (من كلمة لنا في ذكرى وفاته: الصنعاني فم الطرب) مثبته بالمدونة. 

 

ته دلالا4تِهْ دلالاً فـــــــأنت أهـــــلٌ لذاكا * وتحكّــمْ فالحسنُ قــد أعطاكا

ولكَ الأمرُ فاقضِ ما أنتَ قاضٍ * فعلــيَّ الجمــــــالُ قــــد ولّاكا

وتــــــلافي إنْ كانَ فيه إئتلافي * بك ، فعجّــلْ به، جُعِلْتُ فـداكا

وبما شئتَ في هــواكَ أختبرني * فاختياري ما كان فيه رضاكا

فعلى كـــــــلّ حـــــالة أنت منّي *  بــيَ أولى إذ لم أكُـنْ لـولاكا

وكفــــــــــــاني عزّاً بحبك ذلّي * وخضـوعي ولستُ من أكْفَاكا

الملحن محمد سعد صنعاني2لك في الحي هـــــــالكٌ بكَ حيٌّ *في سبيل الهوى أستلذَ الهلاكا

ذاب قلبي فــــــأذَنْ لــه يتمنـــا * كَ وفيــــــــه بقيّــةٌ لرجـــــاكا

أومُرِ الغمضَ أنْ يمـــرَّ بجفني * فكـــــأني به مطيعــاً عصـــاكا

قد كفى ما جرى دماً من جفونٍ *بكَ قرحى  فهل جرى ما كفاكا

أبق لي مقلــــــــــةً لعلـيَ يوماً * قبـــل موتي أرى بها مَن رآكا

وأجِرْ من قِــلاك، فيــكَ ، معنّى * قبــل أنْ يعرفَ الهوى يهواكا

وإلى عشقكَ الجمــــــالُ دعـاهُ * فإلى الهجرِ يا تـرى مَن دعاكا

بانكســـاري بذلتي بخضـــوعي * بافتقــــري بفـــــاقتي بغنـاكا

...لا تكـلني إلى قــوى جلـــدٍ خـــا * نَ فـإني أصبحت من ضعفـاكا

كم صدوداً، عساك ترحـم شكوا * يَ ولو باستمـع قولي عسـاكا

فقتَ أهلَ الجمال حسناً وحُسنى * فيهـــمُ فــــــــــاقة إلى معنـاكا

كلُّ مَن في حمـــاكَ يهـواك لكن * أنا وحـدي بكـل من في حماكا

يُحشـرُ العاشقــون تحتَ لوائـي * وجميـــعُ المـــلاح تحت لواكا

ــــــــــــــــــــــ

ابن الفارض (صورة تخيليةالشاعر: ابن الفارض ( 576 ـ 632 هـ / 1181 ـ 1235م) هو عُمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، الملقب شرف الدين بن الفارض. شاعر متصوف، يلقب بسلطان العاشقين، في شعره فلسفة تتصل بما يسمى (وحدة الوجود).
اشتغل بفقه الشافعية وأخذ الحديث عن ابن عساكر، وأخذ عنه الحافظ المنذري وغيره، إلا أنه ما لبث أن زهد بكل ذلك وتجرد، وسلك طريق التصوف وجعل يأوي إلى المساجد المهجورة وأطراف جبل المقطم، وذهب إلى مكة في غير أشهر الحج ‌‍‍‍‍‍‍‍‍! ‍وأكثر العزلة في وادٍ بعيد عن مكة. ثم عاد إلى مصر وقصده الناس بالزيارة حتى أن الملك الكامل كان ينزل لزيارته. وكان حسن الصحبة والعشرة رقيق الطبع فصيح العبارة، يعشق مطلق الجمال وقد نقل المناوي عن القوصي أنه كانت له جوارٍ بالبهنا يذهب اليهن فيغنين له بالدف والشبابة وهو يرقص ويتواجد. (من الموسوعة العالمية للشعر ـ adab.com)

محمد سعد صنعانيالمطرب والملحن: محمد سعد صنعاني ( 1920 ـ 1991 ). ولد في مدينة الحوطة بلحج في أسرة فنية. اشتغل معلماً في المدرسة المحسنية بالحوطة، ثم مدرساً للموسيقى بإدارة الثقافة بلحج بعد أن درس أصول علم الموسيقي بالمراسلة مع (معهد عرابي) بمصر ونال شهادة تفوق. هو شاعر ومغني وملحن ورائد في وضع المقدمات الموسيقية للأغاني، وحذف ربع التون .. ألحان محمد سعد متميزة تنحو بالأغنية اليمنية عامة واللون اللحجي بشكل خاص نحو التجديد. من اشهر ألحانه: (بالعيون السود) للشاعر عبد الخالق مفتاح ،(ولوعتي)،(جاهل زين)،(يا نجوم الليل )، (يا اللي وعدت القلب) و (هاتها بالله هات) و(يا شاكي غرامك).وكان شاعراً مرهفاً ينحو لفظه نحو الفصيح؛ ومن قصائده المغناة: (بكشفه للثام)،(مع النسنوس والبردة)،(قل للذي أمسى بلحظه آسرى) و (مسكنك قلبي دلى به) و (ردد التغريد)، ومن ألحانه في الفصيح (ته دلالاً) لإبن الفارض. توفي يوم عيد الأضحى 22 يونيو 1991م في حوطة لحج..نشرنا عنه مقالة: (الصنعاني.. فم الطرب).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( ذي كنت أحبه ) كلمات ولحن: السيد حسين المحضار ، غناء: بدوي زبير

imageأغنية ( ته دلالاً ) كلمات: ابن الفارض ، لحن وغناء: محمد سعد صنعاني

30‏/10‏/2012

صوت صنعاني: آنست يا خاتم الماس

كلمات  ولحن وغناء: محمد أبو نصار

مدينة صنعاء

 

..آنستنــي  يا حـبـيـبــي * آنست يا خـــــاتم المــاس

يا ســـلوتي يا نصيبي * حيّــا على العين والراس

                       *  *  *

حيّــا ومليـــــون حيــا * بـك يا جميـــــل المُحــيـّـا

إنْ هُنْت ما بـش عليَّ * فـي قَـــدّ فتّـــــان ميّـــاس

                       *  *  *

أهلاً وسهلا على العين * يا مهجـة القلب يا زين

الحب ما بيننــا البين * وأنت زايـــــد علـى الناس

                      دار الحجر ــ صنعاء*  *  *

القلب والبيت مفتوح*خذ ما اعجبك وأنت مسموح

لو تطلب المال والروح * لك ما طلبتــه ولا بـــاس

                         *  *  *

ولا تخـفْ أيّ إنســــان * أفـــديك لو كـان مَن كان

وأعاهدك وأحلف أيمان*ما خون لو يُقطع الراس

 

ـــــــــــــــــــــــ

المطرب محمد  أبو نصارالشاعر والمطرب: محمد أبو نصار. مطرب يمني في صوته عبق صنعاء مدينة الشعر الحُميني. كثير من أغانيه من تأليفه ولكن أغلبها من نظم أخيه (يحيى حسين). له أكثر من 25 البوم منه: قولوا لمن أهواه ، أبو حسن قال عاد الله ، مابش على المجنون حرج ، يا لاقي الضايعة ، شدت خيول العوالق ، ما أجمل البادية، يا أهل صنعاء ، أحبه ولا يدري ، يا أهل الهوى ، بنات الجامعة ، قلبي على بعدكم ، يا مستجيب الداعي ، رب بالسبع المثاني ، ليلة ربي بلاني، يا راعية في الجبل، وغيرها. ( في الويكبيديا نبذة عنه)..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( ذي كنت أحبه ) كلمات ولحن: السيد حسين المحضار ، غناء: بدوي زبير

imageأغنية ( آنست يا خاتم الماس ) كلمات: لحن وغناء: محمد أبو نصار

29‏/10‏/2012

صوت حضرمي: ذي كنت حبّه

كلمات ولحن: السيد حسين أبو بكر المحضار ، غناء: بدوي زبير

حصن الفلس بمدينة الحصون ـ سيئون2

                 لي كنت احبه ما بنسى جميله

المطرب الحضرمي بدوي زبير2البــارحة عَــــلّ مني رقـــــادي * ومسيت وحـــدي طـرّب ونـــادي

                     يا هاجسي الليل وين الحليلة 

                                   *  *  *

ما لي وللنـــاس لا قـــده حاضر* الخــــل عنــدي خيــــاله مسامر

                        منذ عرفنــاه ماغاب ليلة

                                   *  *  * مسجد السيد المحضار ـ حضرموت

دايــم وهو لم يزل نصب عيني * ما شي سوى البعـد بينه وبيني

                      طال المدى والمسافة طويلة

                                   *  *  *

يا رازقي يا عنب فـي غصونك * في حيط من حــاسد يصــونك

                       ما با نبيعك لحــد بالهبيله

                                   *  *  *

ما يعرف الخصم من ذي يحبه * كــل ما جنى ذنب ما قلت ذنبه

                     خبرته في الحب خبرة قليلة

رقصة الهبيش الحضرمية

 

غـروه دايـــم علي حـاسدينه * قلبــوا له الهرج على كل عينه

                    توفيق والمحضار بالكويت عام 1965لأهل السبب ما قدرنا بحيله

                                *  *  *

أقســـم بحبك وطلعــة جبينك * حاشا على الهاشمي ما يخينك

                      لو حملوه الحمولة الثقيلة

                                  *  *  *

إن صَـــد أو جــــات منّه مزلّة * باقول معــــذور من قبل حِلّه

                 مسكين تُعبر عليه الدغيلهحضرموت

                                  *  *  *

وانت اختيارك اذا شئت واصل * ولا استمع  لكـــلام العواذل

                      لي قرّبوا النار عند الفتيلة

                                  *  *  * 

آخر كـــــلامي اخصك سلامي * يا سُوْل قلبي وغـاية مرامي

                    واقبله مني جزاك الفضيلة

 

ــــــــــــــــــــــــــ

* صورة حصن الغليس من المكتبة العامرية للتوثيق على الفيسبوك.

المفردات: طرّب: أنادي بأعلى الصوت. في حَيْط: الحيط سُمّي بذلك لتحويطه بسور. بالهبيلة: بسعر رخيص. الهرج: الكلام. عِيْنة: عيّنة؛ نوع. أهل السبب: أهل الفتن. الهاشمي: نسب الشاعر. تعبر عليه الدغيلة: تنطلي عليه الحيلة. يا سُوْل قلبي: يا سُؤلي ومطلبي.

حسين المحضارالشاعر: حسين أبوبكر المحضار (1930 ــ 2000). ولد في مدينة الشحر بحضرموت عام 1930م في بيت أدب ودين وتصوف. فجده لأبيه هو الشاعر حسين بن حامد المحضار، وجده لأمه الشاعر صالح بن أحمد خمور. تلقى تعليمه في مدرسة مكارم الأخلاق في الشحر ثم أتم دراسته في رباط الشحر دارساً القرآن الكريم وعلومه والفقه والتوحيد وآداب اللغة والنقد. هو شاعر شعبي يرتجل عفو الخاطر وينظم على السليقة. في شعره بساطة وعفوية وبداوة مستملحة ، وصوره قريبة صادقة لا تصنّع فيها. يبني المحضار نظمه على الجناس ورد العجز على الصدر وهي ميزة شعر العامية في حضرموت. له أربعة دوواين: دموع العشاق 1966م، إبتسامات العشاق 1978م، أشجان العشاق 1999م، حنين العشاق 1999م. توفي في 5 فبراير 2000م في مدينة الشحر.

المطرب الحضرمي بدوي زبير (2)المطرب: أحمد يسلم خميس زبير الملقب (بدوي). ( 1950 ــ 2000 ). من مواليد شبام ــ حضرموت عام 1950م. درس الابتدائيه والمتوسطه بشبام ، ثم عمل موظفاً بشركة المياه ، فإدارة البريد في شبام ثم الحق بإدارة الثقافة كفنان متفرغ. أسس مع حداد الكاف وآخرين فرقة شبام الموسيقية ومنها من ضاحية السحيل الشرقي انطلق في العام 1971م ، وشاع صيته في كل حضرموت وخارجها. تميز بأدائه للدان الحضرمي، كما غنى الأغنية الصوفية باقتدار عجيب. وبكلمة مختصرة هو مطرب ملتزم وجاد ودقيق في أدائه للون الحضرمي. يطلق عليه جمهور الحضارمة لقب :”جوهرة الطرب”. توفي في 18/11/2000 م .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( ذي كنت حبّه ) كلمات ولحن: السيد حسين المحضار ، غناء: بدوي زبير

imageأغنية ( يا سماء صبّي ) كلمات: أحمد النصري، لحن: تراث لحجي، غناء: علوي فيصل علوي

23‏/10‏/2012

عن الأغنية اللحجية

الندوة اللحجية3

مرّت الأغنية اللحجية بأربعة أدوار. كان الدور الاول على يد المطربين اللحوج الأول كفضل ماطر بجبل عقربي المتوفي عام 1333 هجرية/ 1915م. وهو ملحن ومغني لحجي معروف. كان في شباب القمندان شيخاً مسنّاً ، وكان مهتماً بالتراث اللحجي ومسهماً في تطويره. من إسهاماته أنه أضاف كلمات إلى أغنية (شراحي) وأضفى على لحنها خفّة وبهجة. ومن ألحانه: (يا مرجبا بالهاشمي) و(صابر على عهدي وباموت) اللتين بنى على لحنيهما الأمير القمندان.  وغني من شعر العيدروس ومن لحنه (عليك بالله تكلمني) وسجلت على أسطوانات (بولزن) ، وغنى (على الحسيني سلام)، (يا شهر يا سامر الليلة متى با تغيب)، (ليل يا ذي الغوافي) و (أسرى نصيف الليل من غير عزيمة.. يا سيمبوه).

القمندان2 (2)وكان الدور الثاني على يد القمندان وتخته. جمع القمندان رقصات وألحان لحج ونظم على وزنها أغان غاية في الإطراب ، وصاغ منها عقداً خلاباً غاية في الامتاع. كتب الشعر العامي وأختص في فن الغناء وألف فيه ديوان: (الأغاني اللحجية) الذي وسعه في طبعته الثانية وأسماه: (المصدر المفيد في غناء لحج الجديد). تسلل القمندان إلى قلوب الناس واحتل وجدانهم إذ وجدوا في أغانيه تعبيراً عن مشاعرهم وما تلتهب به أفئدتهم من لواعج الغرام.، خاصة وقد غلبت على شعر الأمير بساطة المزارع وفرحة الفلاح ؛ فالأرض والزرع والخضرة والريحان هي غاية متعته، بل كانت المرأة وسيلته للتمتع بالفاكهة والرياحين أو مكملاً ضرورياً لذلك.

مطرب لحج الكبير فضل  محمد اللحجيوحافظ مطرب لحج الأول فضل محمد اللحجي على اللحن القومنداني بأصالته وعنفوانه ، وكان أن بذر في أخر حياته لمدرسة لحنية جديدة تختلف إلى حدٍّ عن القصيدة واللحن القمنداني بإعتبارهما امتداداً للموروث النغمي الشعبي في لحج ؛ فظهرت كلمات لشعراء كبار مثل (و(بانجناه) لعبدالله هادي سبيت و(سقى الله روضة الخلان) و(يا ضارب الرمل) لصالح فقيه ، و(طاب يازين السمر) للأمير عبدالحميد عبدالكريم، و(أخاف) و(قضيت العمر) لصالح نصيب، و(هجرتني) لمهدي علي حمدون. ولقد برز فضل كأول موسيقار للأغنية اللحجية في ألحانه وعزفه وأدائه والتزامه.

الشاعر عبداله هاديواستقام الدور التجديدي الثاني على شعر ولحن خليفة القمندان عبدالله هادي سبيت في أغانيه المشهورة: (يا باهي الجبين)، (القمر كم با يذكرني)، (يا بوي أنا يا بوي) ، (والله ما فرقته)، (بانجناه)وغيرها، وكاد سبيت أن يشكل مدرسة مستقلة. كذلك استقام هذا الدورعلى ألحان المبدعين صلاح ناصر كرد ومحمد سعد صنعاني وسعودي أحمد صالح تفاحة الذين وضعوا ألحاناً أكثر معاصرة للطرب العربي واقتباساً منه ، وعلى ألحان الأمير عبدوه عبدالكريم في (إن خلف لي الخل وعدا) ، وعلى كلمات شعراء جدد كعبدالله باجهل وعوض كريشه وصالح نصيب ، وأصوات جديدة لابن حمدون وتوفيق والكريدي وحنبلة ومهدي درويش وفيصل علوي. وكانت ألحان صلاح كرد ومحمد سعد صنعاني وسعودي تفاحة غاية في الروعة والإطراب كما في أغنية (لوعتي).

المطرب فيصل علوي سعدأما الدور الثالث فيكاد من حيث الأداء أن ينسب جله لمطرب لحج الكبير فيصل علوي سعد ، فلهذا المطرب اليد الطولى في نشر الأغنية اللحجية الى أصقاع شتى. وقد خرج هذا المطرب من معطف الندوة اللحجية بعد سنوات من التمرين والأداء المتميز صغيراً. فنشأ مطرباً مصفّى يجمع في صوته وفي أدائه وفي عزفه ريح لحج العاطر وطعمها الحالي. لقد استطاع ذلك الفقير القادم من (شقعة) لحج أن يبني لنفسه مجداً ، وأن يحفر اسمه في الوجدان الشعبي بجده واجتهاده ، وما كان خاله تاجراً ولا لَقي من يدعمه لتحمل نفقات استئجار فرق موسيقية عربية لتعزف معه. استطاع بعوده وبصوته وبإيقاع العازف الكبير فضل ميزر لا غير أن يحتل الموقع الأول على الساحة الغنائية في كل الجزيرة العربية ، مكتسحاً كل ما أعترض طريقه من عوائق طبيعية ومصطنعة. بصوته الجهوري المجلجل العذب ، وبعزفه المتقن البديع ، وبتقاسيمه الرائعه نشر إبن علوي سعد اللون الغنائي اللحجي إلى أصقاع المسكونة حتى غدا للأغنية اللحجية كالماركة المسجلة. كانت الأغنية اللحجية مبعثرة في كل واد وعُبر ، فلما جاء القومندان لمّ شملها وأجلسها في بيت الإمارة والسلطان ، وتعهدها معه وبعده الموسيقار فضل اللحجي واستلمها بعدهما فيصل علوي فأشاعها بصوته الآسر وعوده الجميل حتى غدت على كل لسان.

المطرب عبود زينوتدخل الأغنية اللحجية اليوم دورها الرابع مستندة على صوت وريشة المطرب المتفرد عبود زين خواجة الذي لم يختلف في تنشئته عن سابقيه ، تدخل دوراً جديداً أكثر صقلاً ، وأكمل أداء ، وأعذب طرباً وأسراً. وهو للّون اللحجي مرجع توثيقي حقيقي ؛ وله قدرة عجيبة على الاطراب على كل الايقاعات والمقامات والألوان اليمنية ، حيث يتحول معه التقليد من صناعة الى ابداع ، وبذلك شهد له قبلنا الشاعر حسين أبوبكر المحضار والشاعر المطرب محمد سعد عبدالله رحمهما الله.

سعودي والدميحعبود هو ثمرة للامتداد الغنائي اللحجي ، ونتاج لتراكم غنائي ضارب في القدم. نعم قد جاء الخواجه ليجد الأغنية اللحجية ناضجة مستوفاة من نواحي الأصول ولكنه لم يكتف بإتقان هذه الأصول المعتمدة والتحسين في الجوانب الجزئية منها بل هو تعدى ذلك بحكم ما تفرد به. فيه اجتمعت ميزات لم تجتمع في مطرب قبله، أولاها اتساع ميدان الغناء عنده بتعدد ألوانه وإيقاعاته وأصواته ، وثانيها قدرته على أداء الدان اللحجي الأصيل "وبكسرات" تماثل دانها مبنى ومعنى وإطراباً ، أما ميزته الثالثة فهي امتلاكه لعين الناقد الشعري وباعتباره مؤدّ عارف للنوتة ومغني صحيح النطق وعازف بدّاع.

إن كانت الأغنية اللحجية قد استقامت في دانها (وا طير) على شجى مقام (حسيني عشيران) ، وانتزعت صورها الشعرية من (الحسيني) البستان ، فإنها اليوم تستوحي صورها من الواديين الكبير والصغير (ابني تُبَن) ، وتبني ألحانها الحالية على مقام (الرَّواد) المتجدد.

ــــــــــــــــ

* نشرت في جريدة (الثقافية) العدد (152) في 25/7/2002م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( يا ورد يا كاذي ) كلمات ولحن: الأمير القمندان، غناء: عبود زين

imageأغنية ( هجرتني ) كلمات: مهدي حمدون ، لحن وغناء: فضل محمد اللحجي

     

21‏/10‏/2012

طرب لحجي: ألا يا اهل الحسيني

كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: فيصل علوي وفضل محمد كريدي

بساتين الحسيني ــ لحج

 

ألا يا اهـل (الحسيني) مَنع شلّـوني معاكم * أنا قـلبـي يـُبـَــاكم

عشيّة في الجـنـــائن باتسلّى من سَـــلاكم * مُنى الدنيــا لقاكمْ

فرَقتْ الأهل والخـــلانْ ماشي لي سواكم * تحـــــاووني فداكم

والنبي والنبي ما با افرق الزينرقصة المركح3

*    *    *

ألا يا اهل الحسيني * أ نا ما بافرق الزينْ

كما الرمح الرُّديني * يتثنى يسحِــرْ العينْ

مُحلّى باللُّجينِ

والنبي والنبي ما با افرق الزينْ 

 

وبا احنق من حنقكم والرضا يتبع رضـــاكم * وعهـد  الله حــاكمْ

وأنا بـردان دفـــوني سُويعة مـن دفـــــــاكم * وراكــم بي وراكـمْ

معـاكم با اشترح ليلي وبا افرح في صفـاكم * وبا اهنأ من هناكم

والنبي والنبي ما با افرق الزينْرقصة المركّح اللحجية

*    *    *

معــــاكم يا عـيـــوني * لِمَه باتفــرقـوني

على الباب ارحموني * تعـذبني شجوني

عليكم يا عيوني

والنبي والنبي ما با افرق الزين

بيوت في الحوطة ـ لحج في الخمسينات

وانا مجنـــون ليلي يا عـيوني في هـواكم * وراكــم بي وراكـم

ضَنِيْ مـارُود داوونـي بجـرعة من دواكم * وعنــد الله جــزاكم

عنب في الحيط بأ عنقود حالي من جناكم * ومَشقُر من رُباكم

والنبي والنبي ما با افرق الزينأنت طبعك تحب السلا

*    *    *

متى بَسْمُر معاكم * وعيني باتـراكـم

ولا بُـــدّي سواكم * منى الدنيا لقاكم

تحاووني فداكم

والنبي والنبي ما با افرق الزين

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر المفيد في غناء لحج الجديدالمفردات: الحُسيني: بستان واسع بلحج مساحته 75 فداناً يشمل عدة بساتين هي:بستان الحسيني والرمادة وقرّة العين والبحيرة وحيط البصل، وكان الأمير الشاعر قد جلب كثيراً من غروس أشجار الفواكه من الهند كالاترنج والليمون والعاط والخرنوب والشيكو، والبيذان والمانجو والتمبل وغيرها؛ ومن الرياحين الفل والكاذي والنرجس والياسمين والخوع والحنون وغيرها. ومثلت بساتين الحسيني مغاني طيبة للشاعر. وقد زار البستان لشهرته عدد من الشخصيات العربية المرموقة : من أمريكا الأديب اللبناني الكبير (أمين الريحاني) صاحب كتاب (ملوك العرب) عام 1925م، ومن مصر الأديب السيد محمد الغنيمي، ومن تونس عبدالعزيز الثعالبي، ومن العراق الأديب صالح جلبيت ، وبعثة مجلة العربي الكويتية في استطلاعها عن لحج في (العدد 84 نوفمبر1965م)، وآخرون..

مَنْع: مَنْع أو مَنْعكم لفظة استجارة قبلية. منعكم شلّوني: أرجوكم خذوني معكم. يُباكم: يبغاكم؛ يريدكم. ماشي لي: لاشيء معي غيركم. تحاووني: تداركوني، ألحقوني قبل فوات الأوان. اللُّجين: الفضّة. بحنق: سأغضب، والحنق الزعل. وراكم بي: ماذا وراءكم؟ أي ماذا وراء فراقكم لي. با اشترح: سأرقص معكم الرقصة اللحجية المعروفة بـ(الشَّرْح). لَمَه: (يافعية) لِمَ أي لماذا؟. مارود: مريض. الحَيط: البستان سُمّيَ بذلك لتسويره بحائط من الآجر. بأ: أبغي. مَشقُر: ضمَّة من الورد توضع في العمامة أو خلف الأذن وقد أعجبت الأديب أمين الريحاني حين شاهدها. بُدّي: غايتي ومطلوبي.

كتاب عن المهرجان في 1988 لسلوى صنعانيالشاعر: الأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي الملقب بـ(القمندان) (1885 ــ 1943). ولد في مدينة الحوطة محافظة لحج ـ اليمن، هو أبو الغناء اليمني ورائده في كل جزيرة العرب بلا منازع. شاعر عامي فحل، وكاتب مجيد، ومؤرخ ثقة. كتب الشعر العامي فتسلل إلى قلوب الناس إذ وجدوا في أغانيه تعبيراً عن مشاعرهم وما تلتهب به أفئدتهم من لواعج الغرام. غلبت على شعر الأمير بساطة المزارع وفرحة الفلاح ؛ فالأرض والزرع والخضرة والريحان هي غاية متعته، بل كانت المرأة وسيلته للتمتع بالفاكهة والرياحين أو مكملاً ضرورياً لذلك.

ترك القمندان ديوان شعر عنوانه: "الأغاني اللحجية" صدر عن مطبعة الهلال ـ عدن عام 1938م ، ثم وسّعه وأسماه:"المصدر المفيد في غناء لحج الجديد" وصدرـ منه خمس طبعات في 1943و1983و1989و 2006 . وفي التاريخ ترك كتاب "هدية الزمن في  أخبار ملوك لحج وعدن"(ثلاث طبعات)، وله أربع مقالات منها:"فصل الخطاب في تحريم العود والرباب" و"لمن النصر اليوم: لسبول الذرة أم لطبول المجاذيب؟". أسماه الأديب الكبير امين الريحاني في كتابه (ملوك العرب):"شاعر لحج وفيلسوفها" ووصفه بـ"سلك الكهربا في لحج". نشرنا عنه عدة مقالات بالمجلات والصحف وألقينا محاضرات جمعناها في كتاب: (القمندان.. الحاضر بمجمرة رومانسية). 

المطرب فيصل علوي2المطرب: فيصل علوي سعد ( 1949 ــ 2010 ). ولد بقرية (الشقعة) مديرية تُبَن محافظة لحج. احترف الغناء صغيراً بالتحاقه بالندوة الموسيقية اللحجية في العام 1959م بمعية كبار شعراء لحج ومطربيها. ومنها صدح بأولى أغانيه (أسألك بالحب يا فاتن جميل) من شعر أحمد عباد الحسيني ولحن صلاح ناصر كرد و (ورا ذي العين ذي تدمع) كلمات عوض كريشة ولحن صلاح كرد.. تميّز بعزفه الجميل على العود، وبصوته الجهوري الأخّاذ. بعد وفاة أستاذه الموسيقار فضل محمد اللحجي، غطّت شهرة (أبو باسل) كل جزيرة العرب، وغدا مطرب الجزيرة الأول بلا منازع. غنى في القاهرة وبيروت ولندن، وطاف أصقاع المعمورة يحمل شعراً ونغماً صافياً ضافياً، ومحبة وسلاماً. لقد كان أحد أعمدة الأغنية اللحجية في دورها الثالث. كتبنا عنه كتاب:(المقامة اللحجية: نحن للطرب عنوان). توفي في عدن في 7 فبراير 2010م.

المطرب اللحجي فضل كريديالمطرب: فضل محمد كريدي (1943 ــ …) ولد في حوطة لحج في أسرة فنية فوالده كان موسيقياً في الفرقة النحاسية للسلطنة العبدلية ، وأخوه الفنان المعروف حسن كريدي وأخته (فطوم) مطربة غنت وهي صغيرة ولها تسجيلات منها أغنية (ياللي على البير تبرح).  بدأ فضل حياته الفنية صغيراً عام 1959م. وكانت أولى أغانيه: (إنه الوجه الجديد) من شعر أحمد عباد الحسيني ولحن صلاح كرد ترحيباً بانضمامه للندوة الموسيقية اللحجية، ومن أغنياته: (والنبي ما بفرق الزين) للقمندان وسجلها لإذاعة عدن، (يا نادي بعادي) شعر سالم زين عدس ولحن صلاح كرد، و(دامت الفرحة) من شعر الأمير صالح مهدي ولحن محمد سعد صنعاني وغنى في1968 رائعة علي عوض مغلس (يكفي أشوفك من بعيد) التي وضع الكريدي لحنها، وغنى من شعر الحميقاني (مش مشكلة) وللحجيري (على ميعاد) ، وغنى لآخرين ومازال مواصلاً عطاءه حتى اليوم. فضل عازف عود بدّاع ماهر وفي عزفه صفاء عجيب لذيذ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( يا أهل الحسيني ) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: فضل كريدي 

imageأغنية ( يا أهل الحسيني ) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: فيصل علوي         

15‏/10‏/2012

بين أبي جوان والقمندان

الشاعر الأمير أحمد فضل العبدلي القمندانعمد عمر بن أبي ربيعة (أبو جوان) إلى نشر شعره مغنى ، ففتن النساء أكثر ، فكان الغريض وابن سريج يغنيان شعره ويذيعانه بين الناس، فتسمعه النسوة فيزددن رغبة في ان يقول عمر فيهن مثل ما قال في الثريا والرباب وغيرهن من شريفات قريش الأرستقراطيات. وقد ألزم عمراً ذلك وضع الكثير من قصائده تلبية لطلب النساء بل وتلبية للمغنين .. وعمد القمندان إلى تعيين ثلاثة وزراء إعلام لمملكة غرامه هم: هادي سعد النوبي ومسعد بن أحمد حسين وفضل محمد اللحجي الذين بثوا شعره في كل مكان ، وأدوا ألحانه بروعة فكانت له السيادة على صرح الغناء اليمني وما تزال.

كانت العرب تقر لقريش في كل شيء إلا الشعر، فاقروا لها به حين جاء عمر (ابن اللحجية). كذلك صارت لحج منسية في كل شيء حتى جاء القمندان فاستعادة شهرتها القديمة في الشعر وذاع صيتها حين انشأ فيها مدرسة فنية لها طابعها المتميز. وهو واضع أسس الغناء اليمني الحديث. وهكذا قول لا يلغي رأينا في القول بتشبه القمندان بعمر في أمور كثيرة ، حتى في أن يقال فيه ما قيل في عمر من أنه فتى قريش الذي لا يبارى في الشعر والفن والثقافة.

وعلى أية حال فإن لحجاً أرض الخصب والنماء ، ومنبت الخضرة والريحان ، تكاد تنطق بفضلها الدائم المتواصل من زمن بعيد. فإذا كانت بلدة القمندان ولها نصيب كبير في صياغة مشاعره وجعله رقيقاً شديد التأثر ومطرباً يُشار إليه بالبنان، فإنّ أثرها بادٍ على محيا ابن أبي ربيعة فتى قريش وشاعرها على العهد الأموي. فعمر وإن لم يكن قد سقط رأسه في لحج فإنه قد أخذ كل ما تعطيه لحج من خير ومن أثر ومن صقل من أمه (مجد) اللحجية اليمنية ، ولا عتب عليه إن قال وهو بين ظهراني اخواله بلحج متنكراً : 

        هيهاتَ من (أَمَةِ الوهَّابِ) مَنـزلنَا  /   إذا حَللْنا بِسِيْفِ البحرِ من عدَنِ 

        واحتـــلَّ أهلُكِ (أَجْيَاداً) فليسَ لنا   /   إلاّ  التذكُّـرُ أو حظ  منَ  الحَـزنِ

        لا دارُكُمْ دارنا يا (وَهْبُ) إِذْ نَزَحَتْ  /  نواكِ عنــا ، ولا أوطانكـمْ وطني

        فلـــو  شَهِـدْنَ  غَـدَاةَ  البينِ عبرتنَا /  لأنْ  تغَــرَّدَ  قمــريٌّ  علـى  فَنَنِ

        لاسْتيقنتْ  غيرَ ما  ظنتْ  بِصاحبِها  / وأيقنتْ أن لَحْجَاً ليس من وطني

عمر ابن بلاد العشيقة ، إنما وطنه الحقيقي في ثيـاب الغــواني. و هو يتَّخِذُ حتى من الوطن طُعْمَاً لاصطياد الحسناوات ، ألم يقل في صاحبته (القَتُول) - (قصيدة 137 ، ص 289) :

        مَا كانتِ الدَّارُ بالتلاعِ ولا الأجــ  /   ـــــرَع ، لولا (القتولُ) ، من وطنِي

Lord Byronوما بخلت لحجاً فجاءتنا بعمر آخر .. إنه القمندان. وإني لأكثر ميل بأن الأمير العبدلي ، وهو الأديب والمثقف والحافظ لجل أشعار العرب وسوالفهم ، قد أخذته الحمية فذهب يقلد عمر في أمور كثيرة ، ويحاكيه ويتشبه به ، ويسلك عن قصد ذات الطريق ، وينتهج مذهب عمر في وقف حياته على وصف النساء ومجالس الشراب ، ولم يزد إلا ما أملته عليه ظروف الحياة في عصره ، فكانت تلك الزيادة هي وجه الاختلاف الذي اختلف بها عن عمر. إنهما يلتقيان ويتشابهان تشابهاً شديداً ؛ وتشاء الصدف أن تجمعهما في سجعة واحدة: (أبو جوان ــ القمندان) لتدنيهما من رفيقهما في الأسطورة الأوربية (دُنجوان ــ Donjwan).

كلاهما أمير وُلد في يسر وتقلب في النعيم حد التخمة. وكلاهما ترك الإمارة والسياسة واتخذ لنفسه إمارة الشعر ، ووقف نفسه على المرأة وحبها ، وعلى الكأس ولذتها. ترك الأول الإمارة لأخيه (الحارث) ، وترك الثاني السلطة والسلطنة ولم يمارسها فعلياً ، وتربع على عرش إمارة شعر العامية حليفاً لثالوث المتعة: المرأة والخمرة والطرب.

كان والد عمر تاجراً كبيراً من تجار قريش الأشراف، وكان أكثر بني المغيرة مالاً فسمته قريش بـ (العِدل) لأنه كان يكسو الكعبة سنة وتكسوها كل قريش سنة ، أي أنه كان وحده عدلاً لهم جميعاً. ولما مات العدل ترك لعمر ثروة طائلة منها أرض مخصبة في الجنوب اليمني.. ثم رعاه أخوه الحارث بعد موت والدهما. وولد القمندان ولأبيه في سدّة حكم السلطنة العبدلية إثني عشرة عاماً ، وعاش في عزّ أبيه مثلها. وكان كلاهما ابن عز ورخاء ورخوة ، كما كان للتيتم أثره عليهما. فإذا قيل ان عمر رابع ثلاثة أفسدهم اليتم هم طر فة والأخطل وأبو نواس فلا بأس من أن أقول والقمندان خامسهم.

إبن أبي ربيعة قرشيّ سدّ عليه الأمويون وعلى أضرابه مطلع السياسة، وأغرقوهم بالأعطيات لئلا يتطاولوا على الخلافة. فكان عمر تمثيلاً صارخاً لتلك الفئة التي هجرت السياسة وتفرّغ أبناؤها لترف العيش ومخاطبة النساء وتتبعهنّ.. وكذلك كان القمندان فقد ذهب عنه والده وهو لما يزل غضاً في الثانية عشرة من عمره ؛ فوجد نفسه في جوّ مليء بالمخاصمات والأحقاد والضغائن، والمنافسة على السلطة بين إخوته وأبناء عمومته على أشدها ، ولم ينج من حقدهم يوماً ؛ فهرب إلى المرأة والخمرة والخضرة وسماع الزمن العربي نغماً ، وغلبت نزعة الفلاح فيه عجرفة الأمير..

أجزم أن القمندان قد قد قرأ أشعار عمر ودرس حياته بإمعان كبير ، حتى ليخيّل لنا أنه تقمص شخصية عمر لموافقتها لشخصيه في أمور عدّة ، ما خلا في جعل عمر من نفسه معشوقاً لا عاشقاً. فما أتى به القمندان نجد فيه من نَفْس عمر ومن نَفَسه ، بل لقد ذهب به ولعه أن يحاكي أبن أبي ربيعة في بعض من قصائده؛ وفي هاتين القصيدتين شاهد على ما نقول:

قـــــــــال عمر: هيهــات من أمة الوهاب منزلنا / إذا  حللنــا  بسِيـفِ  البحـر مـن عــدن

وقال القمندان: إذا رأيت على شمسانَ من عدن / تاجاً من المُزن يمحو الجهل في اليمن

وقـــــال عمر: بـانتِ الشمــسُ وكانــت كلّمــا /  ذُكِــرَت للقلــبُ عاودتُ الدَّدَن

وقال القمندان مقلداً: أمة المختار والهفي لقد /  خيّـــم الجهــلُ عليهــا ودَفَـن

                        كلمّا  جمّعــهُ  أربـابُهـــا /  زكـــــواةٍ أنفقـوها فــي ددن

بل حتى ألفاظه وتعابيره هي ذاتها الفاظ عمر:

قــــــال عمر: فلو شهِدنَ غذاة البين عبرتنا /  لأنْ تَغَــــرَّدَ قمــريّ علـى فننِ

القمنــــــدان: يا دار آهلة منك الكـرام لقد / طبتي وغنّت لك الورقاء من فنن

 وقال:       سال حطّوب وادي تُبن / غرّدي يا قمارى الفنن

ديوان المصدر المفيدوقال عمر: إنّ من تهوى مع الفجر ظعَن / للهوى والقلب مِتباع الوطن

القمندان : عبثاً منه القرى قد أقفـرت / إن نصف النـاس عنها قــد ظعن

وقال عمر: يا (أبا الخطاب) قلبي طائرٌ / فأتَمــر  أمــر  رشيـــد مـؤتمَـن

القمندان : يا (أبا الفضل) ودم في عزّةٍ / حاكمــاً فـي لحج مـادام الـزمن

عمــــر : (التمس) للقلب وصلاً عندها /  إنّ خير الوصل مـا ليس (يُمَن)

القمندان: (سِرْ) بنا في منهج الخير فقد / بــارك الرحمـن مسعاك و(مَن)

وإنا لا نظلمه إذا قلنا أنه قد سطا على شعر عمر ، ولكنه أقل حدّة من سطو غيره أمثال ربيعة الرقي الأسدي والعرجي وبشار إذ جعل الرقي نفسه معشوقاً لا عاشقاً ، وذهب يسلخ جل معاني ومفردات عمر ويفرغها في شعره بيتاً بيتاً ، وجملة جملة (1) ؛ في حين سطا القمندان على شعر عمر ولكن مع بعض التصرف. وأجمل ما في ذلك السطو ــ إن كانت للسطو محاسن ــ أن استطاع العبدلي ترجمة أشعار عمر إلى اللهجة اللحجية ، وزاد أن عبر عن مشاعره هو أيضاً ؛ وقدر أن يخرج تلك المعاني في لغة عمرية مبسطة ومطعمة بألفاظ عامية غنائية عذبة.

يلتقي الإثنان في خروجهما عن المألوف الشعري لغة. استخدم عمر لغة المرأة التي تفهمها ؛ فكانت وسيلته للوصول إلى عمق المرأة والفوز برضاها ، تضاف إلى حيله الثلاث التي استنتجها الأستاذ زكي مبارك (2). إنه يتقن لغة النساء وتعابيرهن وامثالهن ، اسمعه يقول:

          فقالت: وعضّت بالبنان ، فضحتني  /  وأنت امرؤ ميسورُ أمرُك أعسرُ

ويدعو مثل العجائز بأن يفصف الله أعمار الرسّح :

         عجّل الله قطّهنّ وأبقى  /  كلّ خودٍ خريدةٍ قبّاء

واسمعهما وهما يؤكدان بتفكير النساء أن يأتي الأول محبوبته عاى بغلة لا على بعير:

        فإنْ جئتَ فأتِ على بغلةٍ  /  فليس يوافي الخفاءُ البعيرُ االشاعر أحمد فضل القمندان1

وليس على مهر مخافة أن يصهل فيفضحه:

        وليأت إن جاء على بغلة  /  إني أخاف المهر أن يصهلا

أما الثاني فليأخذها معه خلسة بعيداً عن العيون ، هكذا:

      خفا يسري معي ليليه بالسكته مغطى مجمّش  /  ولا قد لحلح الصبح غبّش

ذاك عمر يحب مثلهم عدد الرمل والتراب والنجوم والحصى وأوراق الشجر:

          ثم قالوا تحبها قلتُ بهراً  /  عدد الرمل والحصى والتراب

وهذا القمندان يتحدث بلغة نساء لحج الرطبة:

          نوحي يا حمامة بدري في الصباح  /  ونا لا سمعتش با ردّ النياح

          ياما يا حمامة فينـا من جراح  /  نوحي لش ونا مثلش با قول آح

وسهل عليك أن تصطدم بكثير من تعابير النساء وأنت تمر بديوان القمندان مثال: “ سعبب سيل السعبوب” ، “دادح ودح”، “عر تدلى” ، “باقول بك قب”، “مجمش” ، “أوبه”، “ما يكهل”.. و ..

        لا انته تبأ الزين يسلا لك ، كن فارق الناس وانذق  /   وارض معــه دوب واحنق

        حيي خايف من الناس خلّي ، ما يكهل الناس يترش  /   حذِر لا شافهم طار عرّش

الفنان مسعد بن احمدعمد (ابن اللحجية) إلى نشر شعره مغنى ، ففتن النساء أكثر ، فكان الغريض وابن سريج يغنيان شعره ويذيعانه بين الناس ، فتسمعه النسوة فيزددن رغبة في ان يقول عمر فيهن مثل ما قال في الثريا والرباب وغيرهن من شريفات قريش الأرستقراطيات. وقد ألزم عمراً ذلك وضع الكثير من قصائده تلبية لطلب النساء بل وتلبية للمغنين الذين أعجبهم التغني بشعر عمر لغنائيته ولما له من تأثير وسحر على نساء العرب. وعمد القمندان إلى تعيين ثلاثة وزراء إعلام لمملكة غرامه هم: هادي سعيد النوبي ومسعد بن أحمد حسين وفضل محمد اللحجي الذين بثوا شعره في كل مكان ، وأدوا ألحانه بروعة فكانت له السيادة على صرح الغناء اليمني وما تزال.

والشاعران متفقان في أن شعرهما مصدر لكثير من الأسماء الجغرافية. وكأني بالقمندان ، وهو الشاعر والمؤرخ ، قد فطن إلى أهمية ذكر الأماكن وأسماء المواقع في شعره متأثراً بعمر ، فذهب يحاكي المخزومي في هذا ايضاً. يؤيد قولنا هذا ذلك السيل من الأسماء للمواضع والأماكن التي وردت في شعر كليهما. بلغت مئتي موضع في شعر عمر كما أحصاها الأستاذ جبرائيل جبور(3) ويكفي ان تحصي إلى الصفحة رقم (50) بديوان القمندان لتجده قد ذكر ما يقارب (48) قرية وحارة وموقع ، وعدد (72) مدينة و(122) اسم علم. وقد تكرر فيها اسم لحج (17) مرة ، و (تبن) (12) مرة ، والحوطة ثلاث مرات ، كما ذكر نفسه مرات ثلاث.

قال عمر يذكر أكثر من موضع في البيت الواحد:

          لَعمرك ما جاورتُ غمدان طائعاً  /  وقصرَ شعوبٍ أن أكون به صبّا

وقال القمندان في (البدرية):الموسيقار فضل محمد اللحجي2

          أدريتم كيف ذا الظبي سبا  /  ذئـب  أهــــل  البـــان

          وأتى حيط الحبيلي واختبى  /  غصن في الأغصان

          فتجلى بعـــدها ظبي الخبــا  /  وأتــــــى  سفيــــان

          فتن السـادة فيهـــا أجمعين  /  دخلــــوا فـي الدين

وإذا كان العبدلي قد جعل من نفسه عاشقاً ذليلاً ، على عكس عمر فذلك لأنه لم تكن له قوة وفتوة عمر وحسن منظره وفتنته للنساء، ولأن المرأة على عهده لم تمكنها ظروف الحياة من الإشتراك في المناظرات الأدبية كأختها في العهد الأموي، ثم اتفاق مسكن عمر بالحجا ، ومع ذلك فإن تحرقهما يكاد لا يختلف وخاصة حين لا يتحقق لهما ما يبغياه من إمتاع للنفس برؤية المحبوب أوتحقيق الوصال. قال عمر متحسراً عندما رأى جميلة وكلمها فلم تجبه:

        الريح تسحبُ أذيالاً وتنشرها  /  يا ليتني كنت مما تسحب الريح

وقال الثاني كثيراُ من هذا القبيل وتحرقه أشد وحسرته اعظم؛ فهو لم يفز بلقاء محبوبه سوى مرة واحدة (أنظر قصيدته واعلى الحنا) اما ما خلاها من قصائد فهم وتبريح وشجن وبكاء ومنى لا تتحقق ، أو ملازمة للكأس والندمان، او التعويض بالهروب إلى الزرع والخضرة..

وأمام المحبوب يلتقيان تلاقياً قريباً. فإن تمنى عمر أن يكون شيئاً “ممن” تسحبه الريح وتنشره ، فقد نسي القمندان أنه أمير وتنازل عن السمو العبدلي ، ولم يعد يحسب للتقاليد السلطانية إلا بقدر ما تمكنه من الوصال ورؤية المحبوب البعيد. وهكذا تجده ذليلاً خاضعاً: “ذنوب سيدي ذنوب يا ورد نيسان” ، “ با شلّك على عاتقي” و”حقيق عبدك في الهوى عبدك حقيق”، و ..

        وانا اكتبوني عبدكم ولا رفيق  /   لا شي تقولوا دفتر الكتبة يضيق

وتربطهما معاً فكرة الإنفراد بالنعيم والتمتع بملذات الحياة الدنيا ، فرجل مثل ابن أبي ربيعة ما كان يهمه من الدنيا سوى إمتاع قلبه بانواع الجمال وإشباع نهمه الحسي، وهو قبالة ذلك لا يرعوي في التنكر لكل شيء .. حتى الوطن:

        فلـــو  شَهِـدْنَ  غَـدَاةَ  البينِ عَبْرَتَنَا /  لأنْ  تغَــرَّدَ  قُمْـــريٌّ  علـى  فَنَنِ

        لاسْتَيْقَنَتْ  غيرَ ما  ظَنَّتْ  بِصاحبِهَا  / وأيْقَنَتْ أنَّ لَحْجَاً ليسَ مِنْ وطني

ونحن لا نعتب عليه قوله هذا بقدر ما يهمنا أن نوضح إلتقاء القمندان معه في التضحية بكل شيء في مقابل الفوز برضى المعشوق ووصاله. ثم أن عمراً لم يكن قد نشأ في اليمن ليحس بكفاية من الحنين لها فأرضه الحجاز وبها ترعرع وفيها أسلم الروح.

كذلك ما كان يهم القمندان اكثر إلا منادمة الأصحاب على خرير السواقي وظلال الأشجار، ورنين الأقداح والأوتار، أو الشكوى والعتاب واستملاح الوجع الرومانسي الجميل ؛ والهروب إلى الطبيعة ، إلى البساتين والخروج من ذلك الهم بالفرح بمشاهدة المطر والسيل والسقو.. ومع ذلك فإنه حين يحكم بعاد المحبوب محاصرته وينكره الفراش :” ما يبأ النوم والجودري” لا يتنكر للوطن ، بل لا يهتم إن انشقت الأرض وابتلعت الكل ، ويبقى وحده مترنحاً مع دمع العنب:

        (هيثم عوض) قال ليت الأرض في وَدْرَه  /   با سلّي القلـب ما با بات شي مغبون

        (هيثم عوض) قــال بعطي خــاطري جَبره  /  مادام في القلب نبرة بذلح المخزون

   أوجه الإختلاف

مقالة بين أبي جوان والقمندان بمجلة الحكمةوإذا اختلف القمندان عن عمر فإنما في جوانب ثانوية يمكن حصرها في عدم تخصيص القمندان شعره في النساء فقط ولكنه امتدح اخيه وأعمامه وسواهم ، وفي أنه لم يجعل من نفسه معشوقاً والمرأة هي العاشقة التي تشكو صده وعناده وترجو لقاءه ، ولم يمتدح نفسه كفاتن للنساء. كذلك خلا شعر القمندان من الأسلوب القصصي الذي يتحدث فيه عمر عما تعرض له من حوادث مع النساء.

وهما يختلفان في عيشهما للحب فإبن أبي ربيعة “موكل بالجمال يتّبعه” كما قال، وهو غير ثابت في حبه وغير جاد وكاذب فقد قال في أسماء وهند والنوار وعثمة والرباب والثريا وعبدة وغيرهن ، بينما ثبت القمندان على حب (سلمى) ولم يقل في غيرها ، وسلمى أرستقراطية من البيت العبدلي كمحبوبات عمر الأرستقراطيات.

وأمام الطبيعة ومفاتنها يقف الإثنان على طرفي نقيض. فإن وصف عمر الطبيعة في سفره او استقراره فإنما هي عنده بمثابة عائق بينه وبين الحبيب أو طريقاً يؤدي إليه ؛ والبستان بكل ما يحويه لا يهمه إلا أنه الموضع الذي تمنى أن يوافي او توافيه فيه صاحباته كحبيبي الأرضي، والظواهر الطبيعية لا تهمه إلا بمقدار ما يمكنه من ان يتكئ عليها للتغزل بصاحبته لإظهار حبه أو للفخر أو التغزل بذاته  كما أصاب الدكتور جبور. ولا عجب فعمر تاجر وليس فلاحاً ابن بيئة زراعية كالقمندان الذي تستهويه الطبيعة وتسيطر على مشاعره. بل قد تعني الطبيعة عند القمندان أحياناً المرأة. والطبيعة والمرأة كلاهما الإطار الذي يتوج جل أغاني العبدلي وأشعاره. وعلى عكس عمر فإن المرأة ـ حين تمعن في الصد ـ تكون هي الوسيلة للإستمتاع بمفاتن الطبيعة وما فيها من خضرة ورياحين ، وثمار وجناين ، وأمطار وسيول ، وليس هناك فرحة تعادل فرحته بمجيء السيل وارتواء الأرض:سال سيل الأنس

        شوف العشي سوّد وغبّر  /  ركّب علـى الوادي وزقّر

        هاتوا عبـاتي خاف با امطر  ـــ يا فرحتي

        شن المطـر والسيل دفّـر  /  والطين ساقي خاف يوفَر 

        عـاد البقـر مــن شَق (خنفر) ــــ  با جيبها

        هذا زبيدي بلّح وصفّر  /  أصبح مناصف رطب مفرفر

        وذا عنب من (زحله) و(صوفر) ــ خريف

إني أحس بفرحة لا تقل عن فرحة القمندان فكلمة (خريف) في هذه الخرجة تسعدني وأحس بروح القمندان الفرحة المرحة تنط من بين كل حرف منه. وهي تمثل فرحة الشاعر وقد صار بائعاً للتمر ينادي على الزبائن: “ خـرييييـف”  

ـــــــــــــــــــــــ

نشرت بمجلة (الحكمة) العدد (154) السنة 18 في نوفمبر 1988

(1) انظر (الأغاني) الجزء الأول، دار الثقافة ـ لبنان، ص 157 . ومجلة (الطليعة الأدبية)، العدد الأول، السنة السادسة 1980

(2) زكي مبارك:(حب ابن ابي ربيعة وشعره). المطبعة المصرية 1971 ، الطبعة الرابعة

(3) د. جبرائيل جبور: (عمر : حبه وعصره وشعره). ثلاثة اجزاء. .دار العلم للملايين ـ بيروت ـ لبنان 1981 الطبعة الثالثة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( يا ورد يا كاذي ) كلمات ولحن الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: عبود زين

imageأغنية ( ألا يا اهل الحسيني ) كلمات ولحن الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: فيصل علوي