شريط

29‏/6‏/2013

عارف كرامة: صباحش والمساء في خير (1)

نشيد المَجد .. مَوَاجِع الفَرَح

استطلاع العربي عن لحج2لحج مملكةٌ من الطربِ فريدة ، والحوطة حاضرتها المُسَوّرة بالقلوب العبدلية الشاعرة والعقول الحالمة .. والوهط موشحتها البكر البديعة النادرة. الوهط بلدة الحالي والعذب. ما كان الحلو يوماً إلاّ وهطياً ؛ ولا اتّخَذَ العذبُ له مكاناً في غير "برّية زين جعفر". ولحج أندلسية من قبل أن تجود الأندلس. هي أرض الجمال والغناء مذ كان (لِحْسَان) قصراً لـ(ذي محلتم)، و(الحسيني) مُقاماً وبستاناً، ومن حين كان "الهُزام" مَقاماً يصدح على إيقاعه آل طَفَش.

الجمال في لحج مبسوط في كلِّ قرية ووادٍ وعُبَر. أشجار وأثمار، وأزهارٌ وأطيار، وجداول رقراقة عذبة، وينابيع متدفقة ردمها الروسي الغدّار ..السحر في كلّ دار ، والدلال يجرجر أذياله مختالاً بين الجواجر والشياذر، ووسط المشاطر والمحاشر؛ على أبيات القصيد وموازين النغم ، وفوق الأوتار ، وعلى جلود (المِرْوَاس) و(المَهْزَم).

الماء في لحج عذبٌ وفير؛ وتبعاً لذلك رقّت الطباع، وسهلت الأخلاق وأمِنَتِ النفوسُ واستقرّت، وازدانت الحياة بالمحبة وبالخير والسلام –  ومن الماء حياة. هَبَّ الهوى يميحُ في الأطيان، ويتَركّحُ على رؤوس الأعبار، ويرزَحُ على سدود الوديان ، ويمطر على رأس الفؤاد محبةً وسلاماً وموسيقى.

سرى الهوى في البلاد ، وسال الدّفرُ في كلِّ واد ، واستقام على رأس كلّ مَعْقَمٍ راقِصٌ وعَوّاد. لم يخلُ دارٌ من عُودٍ أو كمان ، وعمرت مكتبات أهل لحج بأعمال القمندان ، وامتلأت باسطوانات وأشرطة فضل محمد اللحجي والدباشي وفيصل علوي المنازل حتى الأركان؛ ومن شاء من الشعر والغناء شرب، ومَن انتشى لعب، ومَنْ زوّر جَذَبْ ، والأرض للعبدلي والدين للديّان . سلطان الطرب فيصل علوي

طرب اللحوج حتى صاروا محلَّ حسد. وعشقوا سلام والسلام حتى صار سلام عندهم مرادفاً للحالي ، وأخلصوا في محبتهم فلم يلقوا من سلام غير الجرح والجفاء فصرخوا يشتكون من السلام إلى سلام .. و"ليه تجرحني وانا حِبّك يا ســلام ؟!"

وكانت الأغنية اللحجية عنواناً للطرب اليمني . إنها تنشر أجنحتها فوق نغمٍ مُؤَصَّلٍ ضاربٍ في الزمان. تقف على مفردة فصيحة مسكونة تحتضنُ سِرَّ العربية من غير بوح. تطلع المفردة من قلب الشاعر لا من لسانه. ويُلْبِسها الملحنُ دسمالاً غالياً من تأويله الواعي ، ومن أنينه الفاهم ، ومن شعوره الفَيّاض ، ويصدَح بها مطربٌ ماهرٌ موهوب ، ذو خِبرَةٍ واستعدادٍ وسحر؛ فتكتمل عافيتها.

الفنان محسن بن احمد مهدي يعزف لإبن حمدونإنّك تجد فيها عفير الأرض ، وطعم الدّفر، وريح الشُّقر والفل والكاذي والحنّون. فيها لوعة الشاعر بصدق تجربته، وبقدرته العالية على تصوير شوقه للّقاء، أو فرحته بالوصال الأكيد. تنتظمها قوافٍ ناطقة بحقيقة الحدث ، وأصوات بتجاورها تدلُّ على روعة الفن وسموّ الجمال ، فلا مراء ولا افتعال. وعلى ما فيها من حسيّة إلاّ أنها لذيذة دافئة ، تستقيم على الصورة أكثر من استنادها على البديع . فيها حريّة في المعالجة للحظة الغرام إلى حدٍّ لا يخدش حياء المزارع اللحجي ؛ وفيها اعتصار وجنون وغوصٌ في المثل الأعلى لجمال المرأة ، وغيابٌ ما بين الردف الثقيل والخصر النحيل ، وفيها فرحٌ لا يشابههُ فَرَحْ ... وما كان لها ذلك لولا أن كان لها البيت العبدلي خير ناظمٍ وحامٍ ومحام.

دوار الشمي منظر من لحجشربَ اللحجيُّ من (فالِج) ماء مباركاً ، وأكل من خير (المردبون وام القفع والمصباح والهاشميّة) كَدِرَاً وخميراً عُمِل من الغِرْبَة والبَيْني والصيف و.."حَبّ الصيف يحلا باللبن". غمّس كِسْرَته في صانونة الشُّقْف المعمولة من الزميطا و البامية والجنظال وبباقي ما تجود به سواني بيت عياض (آسيا الصغرى).. ثمّ حلّى بعنبا (الحبيل) المشيّم وتين (الحاسكي) وبيذان (الحسيني).. فجادت قريحته بشعر عامر بالنعومة ولطف الإشارة والابتكار والتصوير والحياة حيث تتراجع أدوات التشبيه ويغدو المحبوب هو الفل والكاذي، وهو (القرمش والمضروب) ، وحيث يقترن الموز بالنرجس والباذنجان بالبيذان، والخِيَار بالمشبّك والمكركر حيث يصلح كل شيء أن يكون فناً أو مادة للفن. وجاء الشعر اللحجي رقيق الأوزان سلِس العبارة ، تتنقّل على حروفه موسيقى لينة الملامس غنيّة الأوتار؛ فترى أبو اسحق مُستجلي أسرار الطبيعة قد تجلّى في القمندان ، وترى ابن عبدربه قد تجدّد في عبدالخالق مفتاح ، وتلقى أمين نخلة اللبناني قد حلَّ في ثوب الأمير عبدالحميد عبدالكريم .

*   *   *

لقد كتب الله على هذه الأرض أن تكون مهـداً للفكر ، ومحطّـاً للتنوير والهداية ، ومرتعاً للفن والخفة والجمال ، وبستاناً من الخير والخضرة. وكتب الله عليها أن تظلَّ مُستَباحة على مرِّ الأزمان.

إن اللحجي مدنيٌّ ووارث حضارة .. يقدّس الحياة ، ويرضى بالعيش ولو بكسرة خبز جافة ، ولا يرى ضيراً من أن يكون لبوسه "شوالاً " أو بقية من شوال مادام هو في لحج. وإمعاناً في كيد الحسّاد يخرج إلى السوق ، على تلك الهيئة ،  يرقص على توقيع شيخ مِكناس المغربي:

أيش عليَّ من الناس واش على الناس منّي  *  باتِـدَرَّع بشمله ، وبخرج السوق غنّي

أين الناس ذي يفهمون ؟!

إنّ من حق أهل لحج أن يفخروا ويُفاخروا بما لديهم من جمال ونور . يجوز لهم أن يتغزّلوا بأرضهم وبواديهم وبخيرهم وخضرتهم وخضرواتهم .. وإنهم معذورون إذا ما بالغوا في التعبير عن هيامهم بلحجهم. إن لبني تُبَني أسبقية زمانية غائرة في الزمن المعرفي ..

*   *   *

الشاعر اللحجي عارف كرامةعارف كرامه مهندس زراعي مقصود ، وشاعر عامي معدود. في شعره للمفردة المحلية عبق خاص ، ولها عنده استخدام متميز ــ  وماذا لو علمت أن لغته هي فصيحة صريحة أصيلة. في شعره موسيقية متدفقة تدفق (الوادي الأعظم)؛ ولا بدع فقد اكتسب ذلك من مهنته (هندسة الري). تعجبني موسيقاه كثيراً، وتستهويني معانيه ؛ ربما لاشتراكي وإياه في "اللحجيانية" – التعصّب لمسقط الرأس . ستجده قد أوغل في وصفه إيغالاً شديداً، إلاّ أن في طرحه الشعري تعبير صادق عن ما يشعر به قلبه ، وتنطق به جوارحه ؛ وهو يساير طبعه ، و"مَنْ خالف هوى قلبه هوى به". وإنّي أشاطره أساه وفرْحَه ، وأشايعه في "لحجانيته" فالمنشأ – كما قال ابن زيدون في "الرسالة الجدية": "مألوف ، واللبيب يحنّ إلى وطنه ، حنين النجيب إلى عطنه ؛ والكريم لا يجفو أرضاً فيها قوابله ، ولا ينسى بلداً فيها مراضعه".

والحوطة هي "أم القرى" كما نعتها مجازاً عارف العارف لبراكير الفن ، ومقاصد القصيد. وهي "حوطة النفائس".. كانت مقصداً مقدساً للإغريقي والفرعوني ، وللبوكرك والترك والإنكليز، وما يزال بها من كلّ قادم أثر.

تغزّل شاعرنا بكل شيء في حوطته ، ولولا الحياء لقطع الطرف عن ذكر قراها. لقد استأثرت بكلّ حبه ، فتغنى بأيام صباه فيها ذاكراً ألعاب الصغار (الحوك شوك) و(عبيد منضاح) .. ولم ينس حتى (حاصل) وسحوره ولا (عبدها وكركوسه)، وغير ذلك مما سنتناوله بالنقد في موضوع مستقل.

إن هذا الشعر هتاف قلب مدلَّه بحب لحج وحاضرتها المحروسة ، أطلقه صاحبه فسال على سجيته ، وجرى في مجرى الفن ، سلسالاً عذباً ، وبسيطاً وواضحاً . مدقعاً في البساطة واللحجانية عمداً وردّاً للعدوان.

يتبقى لنا أن نؤكد أن هذه الغنائية البديعة في هوى لحج وحوطتها تستحق أن يجعلها اللحجي تميمته وحرزه الثمين. ونريد أن يُعتنى بها وتعزفها أوركسترا لحجية متكاملة ، ونريد قبل ذلك أن يشترك في صياغة لحنها كبار الملحنين اللحجيين ، وان لا يتخلف منهم أحد ، حتى إذا ما ظهرت في الأسواق عجز المستمع عن نسبة لحنها لشخص بعينه ــــ  كذلك نفعلُ حين نفرح بالحياة ..

المحبة مبتغى "بنو تبني" ومعتقدهم ، والرحمة ديدنهم الغالي. الرحمة عندهم تعني اكتمال عنفوان الطبيعة، وتمام بأس طبع الإنسان ، لا "خورٌ في الطبيعة" كما رأى ابن الزيات شاعر المعتصم ووزيره ــــ  وصبر هذا اللحجي على التنانير والمسامير والسنانير، وهنا تقع المفارقة: كيف صبر، وهو الذي صقلته الطبيعة وتشكّلت منه فيه ، فأخرجته شفافاً كماء القلب الطاهر. وكيف قدر ، وقد براه العشق حتى لم يُبْق منه باقية ؛ بل من بقاياه هذه التحية / القصيدة ـــــــ إنها نشيد المجد المعجون بمواجع الفرح اللحجي المقدّس.

دار سعد – عدن

الثلاثاء, 13 مارس 2002

 

 

صباحش والمساء في خير

قصيدة في حب لحج

شعر: عارف كرامة

صباح الخير..أم الضيف والمسكينْ / وطيب العيش والمَلبسْ / وذي  بالله محروسةْ

صباح الخير..سِرّ  الفَرْح  والعيدينْ / فيش  القلب يتمسمسْ / رِضَاه انتِ ومَأنوسهْ

صباح الخير..يا كحلا رموش العين  /  عيونش هنــدية  نُعَّسْ / حليوه جم ، نَعْنُوسه

صباح الخير..رياض الورد والخدين  /  وزين الخال ذي لبَّس / وكم يا كم رسم بوسه

صباح الخير.. يا كلّ  الحلا  والزين  / عليش العقل كم  يهوَس / جمالش زين يا نُوسه
صباح الخير، كمال الطُّهر واليدين / وشَمْخةْ راس  ما يِنْكَس / فِنِي مَـن رام تَنْكُوسه

صباح الخير

صباح الخير .. ياسـاخيه فيش العطاء ألوانالشاعر اللحجي عارف كرامة

صباح الخير .. يا سـاقيه خمـــر الوَلَع إدمــان

صباح الخير .. ياكاسية ثوبش على العروان

صباح الخير .. يا وافيه الــودَّ ، حتى  الآن

صباح الخير .. يا باكية الأرض..والإنسان

صباح الخير.. ياشاكية ظلمش على الرحمن

صباح الخير

2الحوطة عام 1890

صباح الخير

صباح الخير.. يامَهدي وحِدَّاديْ / وشيخ الفقه ذي درَّسْ / دروس بانتْ ومحسوسهْ

صباح الخير.. أم اهلي وأولادي  / وحال القلب لا وسوَس / ذكر  أحــلام  ميئوسه

صباح الخير.. يا عيشي ويا زادي / خُصاري والكِسَر يُبَّس / وفـَـاقة نَفْس مَعْلُوسه

مساء الخير.. يافرشي ووِسَّادي / نسيم الصــدر والمَنْفَس / مناخ القلب، تضْرُوسه

صباح الخير.. أم الفلّ والكاذي / رَحم ربّي الذي غَرّس / تراب ارضش وفِردوسه

مساء الخير..أم السيل والوادي / نصيف الليل لا نسنَس /  يُرُدْ  روحي  بنسنوسه

مساء الخير

صباح الخير.. دِنْدَاحهْ  وفَرْحَـةْ  حبَّـهـا  الصبيانْ كيان الأشهل حفيدة الشاعر

مساء الخير..صَدَّاحهْ على صوت الطرب والدان

صباح الخير.. تفــّاحهْ  كَمَاها  في  رُبَـى  لبنـــــان

صباح الخير.. يا داحَهْ  تصـــارع  دَفّة  المُوجــان

صباح الخير.. أوَّاحــه بــها  قلــب  الوُلِــعْ  تعبــان

صباح الخير.. لِمْبَاحَهْ علــى امّرْجَاع وام صُبْحَان

صباح الخير

منظر من بلاد الصبيحة ــ لحج

مساء الخير.. عين الفنّ والمَغْنَى / فنونش  للمــلأ  مأْنَـس/ بهــا  الأنغـام  مدروسة

صباح الخير.. نُجَيم الصبح والحِنّا / مَدَارَهْ طِيبُها كمْ نَس / خِتَـام الصُّبح  تِنْفُوسه

صباح الخيرسواني (آسيا الصغرى)/ بقولش والقَرَع والخَسْ/علـى رَجْنَاش والكُوسه

صباح الخير..مسجدها وذي صلى/ طهارة قط ما تِنجَس/ ولا  المــارد وتِبْلُـوسه

صباح الخير..على ذي ما سواها بأ / بهـا شَمْلَه أنا  بلبَس/ وقطــرة ماء وبَلعُوسه

صباح الخير..لِبَادي قام يِتْخَطّى/ ومَـن يحبي وذي يدعَس/ على (نعمة)و(شمّوسة)

صباح الخير
صباح الخير يا كِـــدْرَه..لجـــوع الشــاقي التعبانالشاعر صالح نصيب4

صباح الخير يا فِكـــرةْ.. كـتبـهـا عــالم  التِّبيَــان

صباح الخير يا بــَـذرة.. لِسِرْ خافي ولا قد بان

صباح الخير ياحَضْرَةْ.. وجَذْبَة للبشر والجـان

صباح الخير ياحسـرة.. مَسَـارالدم في الشِّرْيان

صباح الخير يا بُكرة..ولِش والله عظيم الشان
صباح الخير

البيرق

صباح الخير..نصيب مسرور لقمندان / بديــع الفن ذي سوّس/ تراث ارجع لقاموسـه

صباح الخير..سُبَيت عيسى لبن نعمان/ لقائد مسرحي كرّس/جهود غابت ومدفوسة

صباح الخير..(مُغًلِّــس) شاعر الألوان/ وأشعار (الفقيه) تِلْبِس/ جديد لَزْمَان مَقْيُوسه

صباح الخير..على سعودي شجي الألحان/ضليع اللحن ما فَلَّس/لحون ما هيه مَقْبُوسة

صباح الخير.. لشيـخ الطُّمبرة الفنّان / لـِ(سُود الغرْبْ لـِعُوَنْطَسْ)/ (بلاد نُوبانْ ياْمْبوسه)

صباح الخير..على الغايب عن الأوطان / عليش يسألْ ويِتْنَدَّس / بخَيْرَه ولاّ مَرْسُوسه
صباح الخير
صباح الخير.. أهل الوهط على السََّـادة وللعِجْلان

الشاعر الغنائي علي عوض مغلسصباح الخير.. صوت يمتطْ لِـ(سَلاّمي)وهَلْ(دَيَّان)

صباح الخير.. غـربي خط واديــها، على الرعيان

صباح الخير..قمري حَطْ وغَرّد في وَسَطْ بستان

صباح الخير.. ذي يغـلـط  ويتنكّـر  وهو غلطــان

صباح الخير.. ع المُحْبَط وعِيْشَة عاشها نكـدان

صباح الخير

للقصيدة تكملة ….

ـــــــــــــــــــــــــــــ

* كلمة ألقيت بمقر إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالحوطة/لحج في عام 2006م، تقديماً لقصيدة الشاعر عارف كرامة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

المفردات: جم: كثير. نعنوسة: ناعسة (بتحبيب). نوسة: ناس تمايل وفي تمايلها كناية عن رشاقتها. ثوبش على العروان: ثوبك على العريان. حِدّادي: الحدّاد من “ حديدوه” وهي كلمة تُقال للطفل لتشجيعه على مواصلة الحبو وكنى بها عن مرحلة الطفولة. خصاري: الخُصار هو ما يقدم مع الخبز لتغميسه فيه كالفول أو العدس وغيره. ياعيشي: العيش هو الخبز، الزاد. الكِسَر: قطع الخبز المكسرة. نفس معلوسة: مسدودة لا رغبة لها في تناول الطعام. لا نسنس: لو نسنس.  دنداحة: درهانة؛ مرجيحة. داحة: الداحة نوع من الحيتان الكبيرة. لمباحة: لطور الباحة ولبلدة الرُّجاع وساكنيها الصبّيحة.

نُجيم الصبح والحنا: هي من أشهر رقصات لحج وتؤدى في الأعراس. نس: نسنس؛ سرت ريحه الطيبة. آسيا الصغرى: هو لقب أطلقه القمندان على قرية بيت عياض المشتهرة بكثرة مزارعها وخضارها. بأ: أبغي. شَمْلة: شوال. بلعوسة: أي شي بسيط يمكن بلعُه. بادي: الطفل الذي بدأ يقف ويخطو. كِدْره: هي نوع من الخبز المعمول من الحبوب وتعد وجبة لحج الرئيسية قبل مزاحمة الرز لها على المائدة.

نصيب ومسرور والقمندان وسبيت وعيسى وابن نعمان والمغلّس والفقيه: هم رؤوس الشعر الغنائي في لحج. سعوي: هو سعودي تفاحة آخر الملحنين الكبار في لحج. و” سود الغرب لعونطس، وبلاد نوبان يامبوسة” إسمان لفرقتين للطمبرة بالحوطة. يتندّس: يسأل ويتخبّر ويتقصّى. بخيرة ولا مرسوسة: بصحة أم مُتعبه والرسيس ما يشعر به العجاوز من ألم في العظام. السادة والعجلان والسلاّمي وأهل ديان والرعيان هم من قبائل لحج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية( ليه الجفاء ما شان ) كلمات: الأمير عبدوه عبدالكريم ، غناء: محمد سعد عبدالله

imageأغنية ( ليه الجفاء ما شان ) كلمات ولحن: عبدالله هادي سبيت ، غناء: عبود زين

27‏/6‏/2013

طرب لحجي: رقص نسوان

رقصة المركحللنساء في لحج رقصاتهن كالزفنة  وهي نوعان لحجي ومكلاّوي، والمركّح والمَيْحَة ، وتؤدي الرقصة إمرأتان على أصوات الطبول (الهاجر والمراويس). الزفنة ومثالها في قول القمندان: (بس الهوس بس يا وجه المشيبة بس) وميزانها 4/3، والثانية هي رقصة المركّح ووزنها 4/4  والمركح لغة من رَكَح أي تحرك في مكانه وفيها تتحرك الراقصتان في محلهما.. ومثالها أغنية القمندان: (على المحبين شنّي يا مطر نيسان)، والثالثة هي رقصة (المَيْحَة) وفي اللغة ماح تعني تمايل وميزانها 8/6 ومثالها في أغنيتي (ليه الجفاء ما شان) لإبن هادي سبيت، وأغنية (محنون قلبه ياني) التي أداها المطرب حسن كريدي صغيراً في الستينات ، ونوردها هنا بصوته وبصوت المطرب مهيل كوح.

 

1)  رقصة المَيْحَة

ومثالها في أغنية (ليه الجفاء ما شان) كلمات عبدالله هادي سبيت بصوت عبود زين، وأخرى من كلمات الأمير عبدوه عبدالكريم العبدلي وغناء محمد سعد عبدالله

الشاعر عبداله هادي سبيت2أ )  ليه الجفاء ما شان

كلمات ولحن: عبدالله هادي سبيت ، غناء: عبود زين

حبيب كـــم بَصْبرْ *  ياما شربت المُرْ  *  ودمعتي  وديـــــانْ

حبيب مــا بقـــدر *  ياما حفظت السِّرْ  *  لكـنّ  دمعي خـــان

الحب  ما له سِرْ *  كــذّاب  ما  يقــدر*  مَن  حَبّ  في كتمان

الحب  كم  يُسْكِرْ *  حاليْ وأصله مُرْ  *   يا فرحـة السكراناستطلاع العربي عن لحج

الليـل  يـا قُمري  *  صوت الهوى العذري * الليـــل رُدّ الدّانْ

الليل  بـا نسري  *  ذي  ليلة  القَدْرِ  * هـات اسكب الأشجان

يا ما كَمَلْ عُمري *  يا ما فُـني صبري *  والحب فيه ما هان

يا نجمة  الفجــرِ *  لا  تطلعـي  بـدري *  يا صُبح ما لك شانْ

يا دمعة  الصابرْ *  شنّي كما  الماطرْ *  واروي  بها الظمآن

يا عقــل يا طـايرْ * يا جفـن  يا سـاهرْ *  في  دمعتك  غرقانْ

 

ب )  محنون قلبه يباني

كلمات: صالح البان، لحن: علي حسن الكيلة ، غناء: حسن كريدي

المطرب حسن كريديمحنــون قلبه يباني *  لكنهم  حجّبــــــــوه 

مني، ولا قـد ذكرني * قاموا عليه يلبجوه

                     *  *  *

هذا فـــلان الفـلاني *  يا ويل ذي يكرهوه

مليـح سيْد الغـواني *  منوه شبيهه منـوه

                     *  *  *

ذي يقلبوا الهرج ثاني* كادوا عليه أجرموه   

ذي هم يبوه ما كواني*منّي يبـــاوا يفــرقوهالملحن محمد سرحان

                       *  *  *

جابوا خبر عن لساني *  تزييف هم زيّفـوه   

قــــالوا سمعنا أغاني * ذاعت بها الراديوه

                       *  *  *

ما انساه دايم زمـاني * حتى ولو حجّبــــوه   

حبّي وعطفي وحناني * بالسرّ ما يكلمــــوه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ              

2)  رقصة المركّح 

ومثالها في أغنية (على المحبين شنّي يا مطر نيسان)، نظمت في 1357هـ

كلمات: الأمير أحمد فضل القمندان ،  لحن: فضل محمد اللحجي ،  غناء: فيصل علوي

موسيقار لحج فضل محمد اللحجيالمقام: السيكاه  ،  الإيقاع:المركّح 4/4 هاجر +2 مرواس

يا قلبْ  ما لـكْ  بالبكـاء والأنين  *  ربك على هـذا الهوى با يعين

علـى فراق الزين تمسي حزين  * تشكي علـى القراء والسامعين 

ما شفت حَدْ  إلا حبيبك  حَسِين  *  حتى ظبا الجنة  ولا الحورعين

أو أنت  في  أمر المحبة فطين  *  عرفت خلّك مسك والناس طين

                                  *   *   *القمندان9

يا قلب  أمر  الحب  هذا عجبْ  *  كالصُبرْ  واحياناً  حَلا  كالرطَبْ

حتى م يا قلب  الشُّكـا  والتعب  *  أشربْ فإنَّ الرَّاح تجلي الكَرَب

من  دمعة  العنقود ماء العنب  *  شعشوعة فـي كأسها كـالذهب

وسوف يقضي الله لك ما أحب  *  ما عذر ما ترضى ولو بعد حين

                                  *   *   *

يا ورد في بستان يا غصن بان *  يا سيّـد الغـــزلان ربّ الحسان

يا سَلوة الولهان مَرْوَى الظمان*من طرفك النعسان هَـبْ لي أمان

حتى  متى  أشكوك  قلّ  البيان  *   لم يبق لي إلا الضنى ترجمان

سال سيل الأنسالله على هذا  الجفاء  مستعان  *  شاصبر فإن الله مع الصابرين

                                   *   *   *

سَقَى رُبَـى الحوطة ووادي تُبَنْ  *  دار اللقاء  حتى شوامخ عدن

سقى عهود الوصل ماء الدِّمَنْ  *  وهـل لأيــــــام اللقـاء من ثمن

عسى لقاء بعد الجفـاء يا أغن  *  وعيشة رغــــدا وسلوى ومَنْ

فإنّ في الرحمن لي حُسن ظن  *  هـوَ الذي نرجـو وبـــه نستعين

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( ليه الجفاء ما شان ) كلمات ولحن: عبدالله هادي سبيت ، غناء: محمد سعد عبدالله

imageأغنية ( ليه الجفاء ما شان ) كلمات ولحن: عبدالله هادي سبيت  ، غناء: عبود زين

            أغنية ( مطر نيسان ) كلمات: القمندان ، لحن: فضل محمد اللحجي ، غناء: فيصل علوي

                         المقام: السيكاه ، الإيقاع: المركّح ( 4/4 هاجر + 2 مرواس )

24‏/6‏/2013

طرب لحجي: تزعلك كلمة

كلمات ولحن: المطرب محمد سعد عبدالله ، غناء: المطربة اللحجية نور النجار

طرب نسوان

كما للرجال احتفالاتهم وأعراسهم ومطربوهم ، للنساء في لحج حفلاتهنّ وأعراسهنّ ومطرباتهن. للرجال فضل اللحجي والدباشي والكريدي وفيصل علوي وغيرهم ، وللنساء (طبّالات) مثال:(سبولة العميا) و (بنت شوفه) في المحلة و(سرورة) في بيت عياض، ومطربات يعزفن على العود ويغنين منهن:(بنت درينة) و(نور نجارة) و(إنتصار أحمد علي) زوجة المطرب بشير ناصر وكانت تعزف على آلة العود. وجدير بالذكر أن بنتي الأمير الشاعر القمندان (فاطمة وخديجة) كانتا تعزفان على آلتي العود والكمان.

نقدم هنا أغنيتين من حفلات النساء في لحج في الستينات والسبعينات بصوت وعود نور سالم النجار أو (نور نجّارة) كما يدعوها أهل لحج.

رقصة المركح اللحجية

 

استطلاع العربي عن لحجتزعلك كلمة * كلمة سببها الشك والغيرة

وتبعدك عني * عني وأنا ترميني للحيرة

كذا برضه تجازيني * تنسى حبي للآخر

ومن كلمة تجافيني * تنسى الماضي والحاضر

وهي كلمة سببها الشك والغيرة

*  *  *

تجازيني وأنا عاهدت نفسي من زمان * بـأني لك ولك وحدك

وغيرك ما بقى له عاد في قلبي مكان  * ولا باحب أحد بعدك

كذا برضه تجازيني * تنسى حبي للآخر

ومن كلمة تجافيني * تنسى الماضي والحاضر

وهي كلمة سببها الشك والغيرة

*  *  *

المطربان بشير ناصر وزوجته

 

الممثلة اللحجية لول نصيبتخاصمني وأنا ما كنت أصدق يا حبيب * بأنك يوم تخاصمني

ولا مرة خطر في البـــــال أنك با تغيب * وبا تسخي تفـارقني

كذا برضه تجازيني * تنسى حبي للآخر

ومن كلمة تجافيني * تنسى الماضي والحاضر

وهي كلمة سببها الشك والغيرة

 

ـــــــــــــــــــــــــ

الفنان اللحجي محمد سعد عبدالللهالشاعر والمطرب: محمد سعد عبدالله صالح اللحجي (1939 ـ 2002). ولد بحارة (الحاو) بحوطة لحج. كان والده المطرب سعد عبدالله صالح اللحجي واحداً من أوائل مطربي لحج، وله أغاني مسجلة على الاسطوانات مثال أغنية (خلاك يا زين خلاك) على اسطوانات جعفرفون، كما كان أخوه محسن عبدالله عازفاً على آلة الترومبيت بالفرقة العسكرية لسلطان لحج، وقد ورث عنهما ولداهما محمد سعد وأحمد محسن (الشلن) محبة الطرب فأصبحا مطربين مشهورين. وصار محمد سعد علماً في الغناء اليمني، ألف الأغاني ولحنها وتميز بإتقانه أداء ألوان الغناء اليمني الأربعة فكان لوحده مدرسة قائمة برأسها. له أكثر من 130 نص غنائي نشرها في ديوانه: (لهيب الشوق). من أغانيه: (سرى الليل يا خلان)، (يوم الهناء والمسرة)، (مد لي يا زين يدك)،( يا ناس)، (محلا السمر جنبك)، (ما بأ بديل)، (سبّوح يا قدوس)، (أعز الناس)، (أيش همّني).. توفي بمدينة عدن في 16 إبريل 2002م. نشرنا عنه بصحيفة عدن مقالة : "محمد سعد عبدالله حبيب المرأة وصديقها"، مثبته بالمدونة.

عازف القانون اللحجي عبد النجارالمطربة: نور سالم النجار (نور نجّارة). (1945 ــ 2006) من مواليد الحوطة لحج. كان والدها نجاراً وصانعاً لآلة العود في الحوطة. عنده يُصلح مطربو لحج مثال: صالح عيسى وسعيد أحمد حسين وسالم الطميري ومحمد سعد صنعاني وعلوي سعد والد فيصل علوي آلة العود. تعلق أولاد النجار بالطرب فصار منهم ثلاثة عازفين لآلة القانون وهم (علي ومحمد وعبد سالم النجار) وكان علي قد تدرب علي يد الموسيقار فضل محمد اللحجي، فأما عبد سالم فكان عازف القانون الأول باليمن (ت. 1965) ؛ واشتهرت أختهم نور بالعزف على آلة العود وبالغناء في حفلات عرس النساء بلحج. من تسجيلاتها المسموعة: (محنون قلبه يباني) ، (تزعلك كلمة) شعر ولحن محمد سعد عبدالله، (قطفت وردة)، و(أناتمنى يوم باشوفك) من كلمات الأمير أحمد منصر ولحن الأمير محسن أحمد مهدي وهي غير أغنية (تمنى يوم باشوفك) للشاعر كريشة ولحن أحمد سالم مهيد .. توفيت نور في مدينة الحديدة عام 2006م عن عمر جاوز الستين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية (محنون قلبه يباني) كلمات: صالح البان، لحن: علي حسن الكيلة ، غناء: نور النجار

imageأغنية ( كذا برضه تجازيني ) كلمات ولحن: محمد سعد عبدالله ، غناء: المطربة: نور النجار

21‏/6‏/2013

صوت صنعاني: ليلك الليل يا ليل

كلمات: …  ،  اللحن: تراث صنعاني ، غناء: عبود زين

المطرب عبود زين2"مع عبود زين يمرُّ بك المطربون اليمنيون فتتعرف عليهم واحداً واحداً. إنه يستحضرهم نغماً خالصاً بنكهتهم المحلية وبعزف فيه اتقان وإطراب وسرور . إنّ عبود لا يغني لغرض الغناء ، أو لاستلام الأجر ، بل يغني ليطرب ، وليفرح ، وليجبر ، والجبر في اللحجي طبع أصيل.

إن لهذا المطرب مقدرة عجيبة على الإطراب ، لا تقوى على الإفلات من أسر أدائه العذب ، وإن حاولت تلقّفتك أنامله اللحجية الأصيلة فوقعت في أسار عزفه المتقن الشجي. وإذا كان المطرب الكبير فيصل علوي قد ظل رائداً للغناء اليمني لأكثر من ربع قرن ، وما يزال يتربع على مقام ( الحسيني ) ، فإن خليفته بلا منازع هو هذا الوهطي الطالع من (مقام الرواد) متدفقاً نغماً خالصاً .. وإخلاصاً حقيقياً للغناء كفن والفن عنوان الحضارة." (من مقالة: الصاعد من مقام الرواد).

هذه الأغنية سمعتها من المطرب ( أبو نصار ) والظاهر أنها من شعر أخيه ، كذلك غناها الآنسي والطائفي وحسين محب .. وهذه هي بصوت عبود زين وفي أدائه كل الحلا والزين.

 

لباس صنعانيليلك الليل يا ليل* ليل كلّ تروّح 

ليل وانا مكاني

ليل دمع العيون سال * ليل  لمّا الحبيب مال

ليل ويلُهْ كواني

قبل يومين ريته * حين وقف جنب بيته

كأن ما هو رآني

قلت بالله سألك * بالذي زاد جمالك

قف بربك ثواني

صنعاء بريشة عبد اللطيف الحكيمي2ألتفت ثم سلم * قــــال: مالك تكلم

قلت هجرك ضناني

قال لي في وداعة * أحتفظ بالوراعة

العتــــاب يوم ثاني

ليــل ما كنت أفكر * أن خلي ع ينكر 

حبنا في ثوان

كيف؟ ما سوي الآن *  بعــدما قلبي اهتان

بعدما قد جفاني

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشاعر:

عبود زينالمطرب: عبود زين محمد السقاف ويعرف بـ(عبود خواجة) وخواجة لقب لأبيه. ولد في 29 نوفمبر 1972م بقرية الوهط بلحج. والوهط بلدة علم وأدب وطرب منها نبغ شعراء غنائيون مميزون مثال سالم زين عدس ومهدي علي حمدون ومنها بزغ المطرب الشهير محمد صالح حمدون رحمهم الله جميعاً. بدأ الغناء صغيراً في العام 1984م وقد تعهده المطرب الشيخ يحيى محمد فضل العقربي وذاعت شهرته إلى كل اليمن وخارجها. عبود هو خلاصة رؤوس الطرب الكبار في لحج، يؤدي ألوان الغناء اليمني على تنوعها واختلافها, بإتقان وبإطراب لا تجده عند سواه. لذلك وجدت اللحجيين والصناعنة واليوافع والحضارمة وأهل الحديدة وأهل الجزيرة يفسحون له في صدور مخادرهم ومحافلهم ومجالسهم. وإلى جودة غنائه وإطرابه، يتفرّد عبود في عزفه على آلة العود فيأتي بما يبهر الحس ويسعد الوجدان. نشرنا فيه بمجلة الثقافية وصحيفة الأيام مقالات: " الوهط دار المسرة"، " الصاعد من مقام الروَاد" و "فرحة العود في طرب عبود".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( رددوا ردة بردة ) كلمات ولحن : السيد حداد الكاف ، غناء: عبود زين

imageأغنية ( ليلك الليل يا ليل ) كلمات:  … ، اللحن: تراث صنعاني ، غناء: عبود زين

12‏/6‏/2013

الجابري .. اصغوا لصوت الشاعر

الشاعر احمد الجابري شاباً من على خط الـ (MCC) ركل أحمد الجابري الكرة فخشيت يسراه أنديةُ المستعمرة .. سابق الجابري ظله فكان شاعراً مفلقاً في زمن صار فيه الشعر فناً له أصوله ومدارسه ؛ وزاحم الريح عدواً ، في زمن صار فيه العدو رياضة لا صعلكة .. وعلى عكس جرير جرى الجابري نحو مواقد الأهل وليس إلى قدورهم. رأى في جمالهم ناراً ، ولقي في خطاياهم حُسناً يبلُّ عروق القصيدة. قدم أحمد الجابري من زمن أدرك أدباؤه سرَّ العلاقة بين نضج التين والعنب وجلود أعداء أبي تمام التسعين ألفاً. هو ابن عدن، الصورة الأرضية للفردوس الأزلي..

طلع ابن الراهدة من (معلة عقربيم)..وشرب العدني من (حيق) الحسوة والعماد، ودخل إلى"دار السعادة" من باب (الحيق) في صيرة ، وأرسب في الأبدية هناك، والحاقة والقيامة بمعنىً .. والطريق إلى الجحيم من جنة الفردوس أقرب. هي مدينة الأعراف الفاصلة بين العدْن والسعير.. من عدن اشتق العدْن معناه ، واستعار الفردوس السماوي من (حافون ـ Heaven) دلالته ومغزاه. هنا (كريتر ـ Crater) نار نائمة ، وقبالتها يرقد الجحيم (هيل ــ Hell) جبلاً مسجوراً مسعورا.. ومن بعض حمأته يستمدّ (ابن الشيخة) أفكاره المتقدة. في عدن يناغي الخلد الجحيم ، ويتناغم النعيم والحميم.

صورة الجابري بالثقافية

وكانت عدن محتجىً طبيعياً لبنات الشراع ، وملتجأ لمن ضاقت بهم مناطقهم. وجاء إليها متفرّدون ومجهولون ومظلومون ومغبونون ، وطرّاد شريعة ، فوسعتهم أخت هابيل جميعهم.. ذاك (أمان) يشدو بالقاف الإنكليزي فيستوقف عذبُ القائه المارة البريطانيين ويوقف شعور جلودهم. وذلك (غانم) يوصل خيط الفن السري ما بين حمراء لحج والتواهي؛ ويعطي بالشعر تعريفاً للشعر يتخذه الناقد الإنكليزي درساً لأبناء جلدته. وهذا (الفاضل المقطري) ينظم أغنية عذبة تعجّى فهمها على (الرفاعي)، وتمنّعت على (المرشدي) فأجراها على “الجشايب”.

وهذا (الجابري) يتّبع خطى معلمه الرومانتيكية فيرسم من خيوط القمر حزناً رقيقاً غالياً. ولما اشتاق لتغيير المالح بالعذب الزلال حمل عدّة سمره ويمم صوب الخضيرة. ومن على سوم (الحسيني) ينادي الشاعرُ الشارحَ ثلاثاً فإذا لم يجبه حلّ له دخول البستان والأكل من ثماره ، والتقرّي بظلاله. وفرش الشاعر حصيرته على الحشائش فاستقبلته عصافير البستان: من (لِحْسان) يأتيه الحسّون مغرّداً مرحباً ، ويُسمعه حِجل لحج الدان اللحجي.. تقوقي القطا من حوله مترحمةً على ابن أبي ربيعة ، وتزمزم على رأسه الجداجد كابن المقفع ليلة إسلامه ـــ  رحم الله ابن (عين قفع)..

         رؤوس المحبة

يقول رينان الشاعر الفرنسي أن الشاعر العظيم يكلف الطبيعة من المواد الأولية ما لا تكلفه أعظم الحروب، فلابد من استهلاك ثلاثين أو أربعين مليوناً من شعوبنا الكثيفة الجماجم ليكون لنا شاعر من الطراز الأول.

إن الجمال كما عبر كيتس في  انديميون (Endymion) هو مصدر طمأنينة دائمة لنا. فهو مثل مكان هادئ ننام فيه نوماً مملوءاً بالأحلام العذبة وبالصحة والتنفس الهادئ. يبحث الشعراء عن الجمال أيّان كان مصدره ، وهم تبّاعه الأقدمون المخلصون، وليس الجمال عندهم مقصوراً على الطبيعة ، ولا محصوراً في مفاصل الإنسان ، بل هو مبثوث في تفاصيل الأشياء والأفكار. فربما تجسد في الوضوح والبساطة وعنفوان المفردة، أو ربما احتوته صورة شاردة. قد يبرز عياناً في مشهد أو وردة أو في هيئة فكرة ، وقد يطل من خلال ركام فكرة متداعية ، كأن يكون صياح الديك ، في حضرة شهريار، هو الفاصل بين لحظتي الحياة والموت، المنتصر للجمال:

            صاحَ ديكُ الفجر فينا، واعتلى /  شهرزادٌ : مَنْ لليلِ الأنجمِ

            وحديثٌ منكِ أنـــدى من يـدِ

            رفّ بالشوق كأحلى موعـدِ

            كلما قلتُ انتهى .. قِيلَ ازددِ

            شهريــارٌ نـامَ ، لا خمرٌ ولا  /  في الهوى ساقٍ لصَبّ مُغرمِ

تستقيم عدن في عيون الجابري اللوزية على ثلاثة أقطاب كبيرة ليس من بينها (حكيم حافون). أولهم أستاذنا عبدالله فاضل، قطب المعرفة الصافي ورأس النقد في عدن، صاحب ديوان ”دوّامة الهباء". وثانيهما لطفي جعفر أمان رأس الأدب وزعيم الراالناقد عبدالله فاضل فارعومانسية في اليمن. وثالثهم عميد الطرب أحمد قاسم. يقول في الأول:

              عذبُ الحديث إذا ما جئتَ مجلسَه  /  يومــاً يحــدّثُ ، لا ريـثٌ ولا عجِلُ

              يأبــى التذلّــل ، لا تلقــاه فــي نفـرٍ  /  إلا ويشمخُ ، في أعطافه ، زُحَلُ 

   أما أسلطفي امان مع ابن وبنت أختهتاذه لطفي جعفر أمان فقال فيه:

لا زلــتُ أذكــرُ للأعشى قصيدته  /  بصوتكَ الغضُّ ، في إيقاعه جذلُ

تنسابُ من شفةٍ حرّى ، وحنجرةٍ  /  شــاوٍ مشلٍّ شلــول شلشلٌ شوِلُ

وقال في صديقه الفنان أحمد قاسم: أحمد قاسم

              عرفته  يافعـاً ، فـــي  قلبه  وترٌ  /  وفـي يديه نثَــارٌ من (صَبَـاً) غرِدِ

              تحثُّ  مهجتهُ ، إن  هــزّهُ  طربٌ  /  بين  الأنـامل  إذ  تنسلُّ  من  كَبِد

إنه صانعٌ متأنّق. يفلح الجابري في النظم على وزن الدوبيت، رغم أن مقام هذا الفارسي في الشعر العربي الكلاسيكي ضئيل.ولا أحد يدري لماذا امتدح الشاعر أستاذه وصديقيه على غرار بحر صناجة العرب ؛ هل ليشير إليهم كطود تحطمت عنده قرون تيوس الجبل ، أم هو استحضار لا واعي لتلك الصورة التي خرج بها الأعشى عن المنكوبين في الحب؟!

كانت عدن روضة لكل الطيور المغردة حتى الغربان. وَسَعَت ألواناً مختلفة من الطرب والفرح. كان للهنود نايهم والمريدنجام ، وكان للصومال رقصهم والعصيان. كان للإنكليز ضربهم والجاز ، وكان للحجيين جذبهم والمكريب وطربهم البديع المسيطر. وقرفص المقطري وأبناء عمومته ، على ما بيدهم من مال وفير، متفرجين مستمعين ، فشرع الجابري وسعيد الشيباني وأحمد قاسم والمرشدي يبذرون في مالح عدن صوتهم فنبت أول أمره ضعيفاً سمجاً حدّ أن استنكره شيخنا الكبير ، ولكنه ما لبث أن ضرب عميقاً ليشكل نواة للون من الغناء جديد له رموزه ومتلقوه ، فكانت “الأغنية العدنية”.     

       أهل البـوّ

آمن الأقدمون أن كل الأشياء مركبة من  الماء والهواء والنار والتراب، ومن إيمان الأقدمين ذاك اتّخذ  الجابري أشياءه، وعليها نصب أقانيمه:الهوى، الماء/المطر، الطريق، والتراب، وفي كريتر عنصر الشيء الرابع:

          الهوى مِعطفي ، وشعري رذاذٌ  /   وطريقي  المدى ،  تساوى الثلاثة

          هكـــذا تستقيم ، عندي ، وتبقى  /   دورةٌ   للجمـــال  ،  لا   للغثـــاثة

          ما عرفتُ الغمـــوضَ إلا قنـاعاً  /   تختفــي  تحتــه  رمــوزُ  الحــداثة

           ابحــروا .. فالمــدى سفينة صيدٍ  /  واحرثوا البحر، يا لطيب الحراثة

هوذا في "المعادلة الصعبة" يحدد معتقده الأدبي، ويعلن عن اقانيمه الثلاثة: الهوى والشعر والطريق، وهو هنا يشير من بعيد إلى المصطلح الإليوتي"المعادل الموضوعي" أي"التعبير غير المباشر بالصور" وهو ما قد سبق إليوت إليه الشاعر العربي إذ وضع المعادل حتى في البيت الواحد ؛ بل ما فاتت الإستعاضه عن حقائق الواقع ببعض الصور حتى شاعرنا العامي .. 

دورة الجمال الجابرية ثلاثية ، وهو في ذلك يختلف عن أحمد شوقي الذي ادعى أن فيه اربعة فصول. وهو يرفض الإنقطاع عن الماضي  بل يعدّ العودة إلى الماضي مكرمة وليس خيانة كما يذهب الوجوديون والأدونيسيون؛ فالخروج من شكل الواقع اليومي الفاسد لا يكون بالانتفاض على إطار القصيدة الموروثة أو الخروج على قافيتها ، ولا من خلال الجنوح نحو الهلوسة المقدسة. إنّ شخصية القصيدة الحديثة تقوم على الشرب من نبع الموروث الثر ، وتتوكأ على ثقافة عميقة مستقاة من النبع الأصلي وليس عبر الوسائط وإلا صار الأمر حرثاً في المالح.

يحاول شاعر الحديث أن يعبر عن نفسه باعتباره ابن حضارة غاية في التعقيد والتنوع ، فيصبح أكثر تركيزاً وإيحاء حتى لقد يصيب اللغة  منه بعض الأذى كما عبر إيليوت. والتمرد على اللغة والتحرر من أصفاد نحوها وصرفها ومن ركام الآخرين على مفرداتها امر تفرضه امور كثيرة منها قيام الشعر الحديث على الصورة وعلى التحليل النفسي ورسم الشخصيات بخطوط ابعد من سماتها الخارجية .. وفي هكذا فعل ما يحمل الكثير من الناس على عدم قبوله، فالقارئ لا يرضى أن يكون التجريب على ذائقته.

يمر بك الشعراء اليوم وتنظرفي موسيقى شعرهم المحدث فتجد رحى تطحن قروناً على حد تعبير أبي العلاء في نقده لشعر ابن هانئ الأندلسي. إنها خليط عجيب من موسيقى رفض أفريقية، وموسيقى معارك ثورية، وموسيقى أنين حسي في محل الوجع الإنساني لاتربطهما آصرة..وتنظر في معانيهم فتجد جِدّة أبهتها  اللت واللف والدوران، إذ هي صيغت في لغة لا تتعدى مفرداتها المائتين، وتقتفي صورهم، والقافية منكورة ، فلا تظفر بجديد ، واحسن الصور مستورد ساءت ترجمته ؛ والمحزن أن ألف المرء قبحه وقبح من يخالطهم فصحّ فيه قول المتنبي في ذلك العبد الآبق:

                   وإنك لا تدري ألونك أسودٌ  /  من الجهل ، أم قد صار أبيض صافيا

لم تستكمل القصيدة المعاصرة عناصرها الرئيسية بعد، وما يزال الشاعر يجاهد لمعرفة أسرار قصيدة الحر التي من شروطها المعرفة لآداب العالم في لغاته الأصلية لأن الترجمة لا تجدي في القصيد، ولا يكون الشاعر معاصراً مالم تكن لديه معرفة وافية في علوم اللاهوت والأساطير والتاريخ الإنساني ، ويكون لديه إلمام كاف بالنظريات اللغوية والمدارس الأدبية والنفسية، وما إلى ذلك من علوم ؛ فالقصيدة اليوم ترتقي بفكر المتلقي وتؤثر في مشاعره وتصقلها ، وتاخذه رغماً عنه إلى عوالم ومفاهيم إنسانية لا عهد له بها من قبل. 

كانت القافية بضاعة عربية ، عرفها الغرب فأعجبته فحلت في شعوره وشعره إلى اليوم. ونحن نريد أن يلقّح شعرنا بدم جديد ، ولا ضير كما قال شيخ الأدباء من أن "نلبسه حللاً جديدة من دون أن نطمس ملامحه أو نخفي عروقه الأصلية التي تمتاز به كل أمة عن غيرها" ؛ قلت وإلا بدا "المحدث" المزهوّ بحداثته كذاك الأمير اللحجي الذي قال فيه هوليفرتز " يزهو بحذائه أكثر من افتخاره بمدفعه". إن الجنوح إلى لغة الإيحاء والرمز امر مستحب ، بل حتى الإيحاء المبهم مستملح ، ولكن هكذا انتقال يتطلب تكافؤاً ثقافياً بين "الفعل" باعتباره التابوت المركزي الموحد في القصيدة. نريد أن لا يلقي الشاعر بقارئه في أشداق حوت يونان، ولا بين أنياب طاهش الحوبان؛ فليست للقارئ قدرة الولوج إلى ميثولوجيا اليونان، ولا ينفع معه في الثانية بركة الولي سفيان. إنّ شعراً محشواً بالألغاز والأحاجي لهو كالبوّ ، تحبو عليه الأمة منخدعة ولكنها لا تدُر.

المقالة بالعدد (191) من صحيفة الثقافيةفي إطار تحدّيه لقصيدة التفعيلة ينظم الجابري على الموشح في موضوعات اجتماعية وفلسفية لم يتضمنها  الموشح من قبل ، وهو الذي تدور موضوعاته أساساً على الغزل ووصف الطبيعة ووصف الخمر؛ ويرمي الجابري من وراء ذلك إلى أن العيب ليس في شكل القصيدة بل في ناظمها. ويمثل التشكيل عند أحمد الجابري جزءاً رئيسياً من معنى القصيدة ، وكذلك تفعل علامات الترقيم؛ وعلى ذلك فالقصيدة الجابرية ، في أي شكلٍ نظمت ، تستكمل معناها وتبلغ مقصدها بالقراءة الجهرية ، حيث يخلق الصوت الجو النفسي المطلوب.

           صديق المرأة وحبيبها

لقد آلم الجابري الشاعر وضع المرأة في بلاده ، وأدرك باكراً أن لا نهضة لأمة بغير نصفها الجميل. تبقى شهرزاد الفاتنة الفطنة رمزاً للأنثى التي يريدها الجابري لنفسه ، وقد أرادها أن تكون لمجتمعه الذكوري الناقص متعلمة حرة، ونادى بتحريرها مذ كان طالباً بكلية التجارة بالقاهرة:

            لا تخجلــي ودعي الخمــار دعيه لا تتصنّعي

            تتحدثين عن الهوى ، ما أنت إن لم تصنعي

            فالحب أن أدعــوك جهــراً كي ترين توجّعي

            يغفو علـــى عيني ويصحو مرّة فــي مدمعي

وكادت أن تلحق بصاحبنا لعنة الشعر كالتي لحقت بسحيم بني الحسحاس يوم أدخل العالم إلى بيت اللغة. الجابري صديق المرأة وحبيبها ، وهو عفيف في خطاب غرامه وليس في شعره لفظة يُستحى منها. إنه فارس "مذحجي":

           أوقدي المصباح ليلى قد صَبَا  /  لهــواكِ فــارسٌ مـن مَذحــجِ

           راعــهُ الحُسـنُ بعينيـــكِ فمـا

           ذاقَ طعمَ النوم في ليل الحمى

           آهِ مـــن ليلــى  ..  وآهٍ منهما

           كــم قتيــلٍ للهــوى يــا للضّبا  /  حاذري يا خيلُ شدّي واسرجي

إن المكتوب عليهنّ "جرّ الذيول" لا القتل والقتال ـ كما قال ابن اللحجية ـ  قد غدون عند الجابري موضوعاً للقتل الحلال اللذيذ . يقول على لسان شهريار:

           ما قتلتُ النساءَ إلا ليبقى   /   للهوى عاشقٌ ولي شهرزادُ

جميل حديث شهرزاد السخي المقارن بيد الشاعر المبسوطة ندى "وحديث منك اندى من يد"، وإذا كان الحياء قد حمل أحمد الجابري على الإستعاضة عن ياء "يدي" بالكسرة فإني هنا أثبتها ، ولي على قولي شهيد: قول (علي محلتي) في مدحية مطولة للجابري:الشاعر علي محلتي

         لإنْ  خُيــِّــرَ  العـــزّ  نــدّاً  له  /  لكنتـُـمْ  له  أحمــد الجـــابري

         لَكَم أنت تعطـي ولــو لم يَصُن  /  عطاءكَ مكرُ الغنــيْ التــاجرِ

         غِنى النفس عندكَ معنى الغنى /  ومعنى السماحة فــي القادرِ

         وما  العــزُّ  إلّاكَ  فــي طُهـــره  /  وما  أنت  إلّاهُ  يـا جــابري

ينام الجابري عن شوارد الأشعار في حين يسهر غيره "على القات المبرّح والمداعة" بحثاً عن صورة أو فكرة ، وإني لا أرى (أبا عصام) راكضاً وراء المفردة والقافية ليغصبها على الجلوس بل هي تواتيه منقادة طائعة ، والفضل لعيني عدن"قصيدة ومدينة":الغلاف الآخر لديوان الجابري

          بعينيكِ كــان الهوى يرتمي  /  ويمتـدّ بالبحــر طلــق اليدين

          وكنت لنا الشطّ حيث الرؤى  /  عليها بقــايا خطــى نجمتين

          ألـوّنُ بالرمــل وجه المــدى  /  وأبني قصوراً بلون اللجين

          فأحلمُ بالشكلِ والمحتوى  /  كـــأني أعيشُ الهـــوى مرّتين

إني أحس بمقدار قهر الشاعر وارى عبرته في هذا الكسر في صدر البيت الأخير الذي يتطلب وقفاً بعد الشكل .. وهذه البكائية عندي أفضل من كل ذلك الذي "حُبِّر" في "حب عدن".

تسري قصيدة الجابري في الناس بالمحبة والسلام ، في حين نرى قصائد بعضهم كوجه (ابن عطية) الذي نصح به دعبل المعتصم. وقافية الجابرية عدنية حاسرة متميزة ، وشعره ذكي الرائحة وله طعم احلى من طعم الشعر إذا ما قُرء الشعر. إنه يشبه شعر أمين نخلة اللبناني الذي قال فيه شوقي:

                                    كأنّ شعر أمين   /  من نفح بانٍ ورند

و"طائر المنفى" كثير الإعتداد بنفسه ، و "أناه" لا تختلف كثيراً عن "أنا" مجنون نورا شاعر الحب العظيم ؛ فالبحر نفس البحر وإن كان في الحمولة وفي المسرى اختلاف:

                    In wintery midnight, o’er a stormy main 

                    A ship I, laden with oblivion, go

لا يقدر الجابري أن ينكر وجوده ، وهو لا يتنازل عن " نا " حتى تخرج عصا شداد بن عاد من رمل العماد:

          أنا للهــوى بحرٌ وقلبي زورقٌ  /  ويداي مجدافان، من ذا أعشق؟

          فالليل لي ، كم حنّ فيه مفارقٌ  /  وتحـدّثت عنـــه الفــراتُ وجُلّـقُ

          كلُّ النجـــوم تجمعـت فــي ليلةٍ  /  حنّـت إلـــيَّ ، وللحنيـــنِ تـدفّـقُ

          ألقت على صدري قلادةَ جيدها  /  فتغامزتْ وردٌ ، وغـارت زنـبقُ

ومردّ ذلك الإعتداد في اعتقادي إلى أصله الكريم ، وعمق ثقافته ، وثقته بنفسه. وفيه عروبية متنبئية أوحت بها إليه مصر عبدالناصر؛ فهو يأبى السجود حتى بمعناه الصغير، أي ما يفعله الشعراء للأمراء. فإن قال أبو الطيب للأمير بدر:

                     طلبنا رضاه بترك الذي  /  رضينا له فتركنا السجودا

فقد افتقد الجابري لمثل كياسة أبي الطيب ــ وكلاهما عدوّه دهره ــ ولكن كانت له رنة حزن معتق حملتها النونات المبثوثة في حشا الأبيات:

          وطني ... من سواك؟ يحنـو عليّ  /  إن قسا الدهرُ، وانزوى الناس عنّي

          عشتُ عمري "عزيز نفس"وإنّي  /  لا أرى فــي النفــاقِ غيــر التـــدنّي 

وعلى ما في شكواه من مرارة إلا أنها صادرة عن شاعر يعتز ببلاده ، وتفيض نفسه بالحماسة والإخلاص لوطنه كوالتر سكوت الإسكتلندي في قصيدة (Pateriot) ـــ ومات سكوت مديوناً بستين ألف جنيه.

مثل ( كـثيرعزة ) كُـشِـحَ جنب أحمد الجابري بالنار إذ أخذه الهلاس لشدّة عشقه لموطنه ــ قال الراوي: ومات كثيِّر وعكرمة مولى ابن عباس في يوم واحد .. فاجتمعت قريش في جنازة كثير، ولم يوجد لعكرمة من يحمله.

        أغلى من القمر

عالم الجابري في ديوانه "أغلى من القمر" (صادر عام 1968 عن مطبعة السلام - عدن) ، نجوم وعبير وثمر؛ مساء وشذى وقمر؛ وإرهاق رومانسي بديع.

زمنه منصوب: أشم/أحب/احضن/اكون/أبوح/أحس/أقول.. يستدير للقمر كيفما استدار ، وفيه “لحجيانية” عجيبة حيث المقدرة على شم الشذى من العيون:غلاف الديوان بريشة لطفي أمان

        فإن اتيت في المساء

        ياحبيبتي ..

        أشم في عيونك الشذى

        وينتهي الإرهاق، بعد أن

        أكون مجهدا.

        فاحضن النجوم والعبير والقمر

        لأنني احب كل ما يحبه القمر.

هزج الشاعر في شبابه وأرجز، واندفع إلى الحياة اندفاعاً.. وإني اتخيله يرتعش صحة وعافية كهوجن المصارع العظيم.

عرف الجابري الحب وذاق حلاوته ومرارته. رآه وولجه ، وليس من سمع كمن رأى .. ولبلى الجابرية حضرية تركب القطار:

          الجابري2لكني فتى من الأمصار

          يعيش في مدينة من النضار

          لا يسكن الخيام ، أو يهشّ

          بالعصا قطيع شاته

          وإنما يسير بالقطار

          مودّعاً أحبابه ميلا ..

          فهل أراك في انتظاري

          أم أركب الخيلا؟

والذي يعنّ لي أن قصائد الديوان ليست من الشعر الحر وإن اتخذت شكله. ففيها القافية موحدة ، وللشاعر إحساس شديد بالنغمة وجرْسها ، "وإذا نُظر إلى الديوان بعين الوحدة العضوية تكشف وهم ترتيبها ووجدتها دقيقة في نظامها القافوي"ـــ على حد قول إحسان عباس في "أباريق" البياتي.

في " أغلى من القمر" نلقى فتى يتدفق دم الشباب الدافئ من بين عروق حروفه وشرايين موسيقاه ، ولا نقول معانيه لأنه لم يكسر قشرة الحب الحسي ليتوغل إلى الجوهر. وفي الديوان إثارات الرومانطيقيين العاطفية كالشعور بالوحدة  والحزن الرقيق اللذين يكتنزهما القمر. ولا عجب إن نظم على تينك البحرين الشعريين فهو ابن عصر تلونت عهوده ، فكان أوله عهد شعر وحب وعلم وأدب تجلت صورته في ديوانه “أغلى من القمر”. وماج عهده الثاني واضطرب ، فكان عهد ثورات التحرر القومي والفكري ، ثم تهديم لكل قديم ، وقلاقل وفوضى طالت حتى الأخلاق. وهوذا يعيش معنا عهده الثالث فنشهده زاهداً شاكياً دهره إلى دهره ــ يحبو الجابري اليوم نحو السبعين ولا يزال له قلب أخضر:

              جاوز الستين عمري ما ذوى ../  للهـوى قــلبٌ .. وللشعـر غــدُد. جعفر الظفاري

يحقّ لنا أن نفرح بهذا الشاعر الذي تزن ليسانسه (العادية) في التجارة ألف ألف من دكتوراتنا (الملونة). إنه شاعر من الطراز الأول ممن ينطبق عليهم قول رينان الشاعر الفرنسي: “ إن الشاعر العظيم يكلف الطبيعة من المواد الأولية ما لا تكلفه أعظم الحروب ، فلابد من استهلاك ثلاثين أو أربعين مليوناً من شعوبنا الكثيفة الجماجم ليكون لنا شاعر من الطراز الأول.

 هذه بعض عناصر جابرية مبعثرة ، وبعض من خطوط رئيسية لشخصية أحمد الجابري الشاعر ؛ وفي الشاعر قال أودن:

                        Listen to the poet’s voice            اصغوا لصوت الشاعر

                        Harken to the sacred dreamer  احجروا  للحالم المقدس 

كالطُّهريين (Puritans) ظعن أحمد الجابري بحثاً عن (heaven, the dearest country) ورجع الجابري من بلاد مكة إلى (معلة عقربيم) فلقي الظفاري وما وجد "حافونه"■

 

  نشرت بجريدة (الثقافية) العدد (191) في 2003/5/15

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( فراشة واعدت زهرة ) كلمات: عبده علي ياقوت ، لحن وغناء: فيصل علوي

imageأغنية ( على أمسيري ) كلمات الجابري، اللحن: تراث بدوي ، غناء: عبود زين

أغنية يا مركب البندر ــ أحمد قاسم (http://www.4shared.com/mp3/Uv9Z2Gke/___online.html)