22‏/9‏/2025

طرب لحجي: ليتني يا حبيبي

كلمات: الأمير أحمد فضل العبدلي (القمندان)

لحن: فضل ماطر مع إضافات لفضل محمد اللحجي ، غناء: فيصل علوي 

المقام: البياتي ، الإيقاع: رقصة الدَّحيف 6/12 (كابر+هاجر مراجع+هاجر ردّاد)

شربَ اللحجيُّ من (فالِج) ماء مباركاً ، وأكل من خير (المردبون وام القفع والمصباح والهاشميّة) كَدِرَاً وخميراً عُمِل من الغِرْبَة والبَيْني والصيف و.."حَبّ الصيف يحلا باللبن". غمّس كِسْرَته في صانونة الشُّقْف المعمولة من الزميطا و البامية والجنظال وبباقي ما تجود به سواني بيت عياض (آسيا الصغرى).. ثمّ حلّى بعنبا (الحبيل) المشيّم وتين (الحاسكي) وبيذان (الحسيني).. فجادت قريحته بشعر عامر بالنعومة ولطف الإشارة والابتكار والتصوير والحياة حيث تتراجع أدوات التشبيه ويغدو المحبوب هو الفل والكاذي، وهو (القرمش والمضروب) ، وحيث يقترن الموز بالنرجس والباذنجان بالبيذان، والخِيَار بالمشبّك والمكركر حيث يصلح كل شيء أن يكون فناً أو مادة للفن. وجاء الشعر اللحجي رقيق الأوزان سلِس العبارة ، تتنقّل على حروفه موسيقى لينة الملامس غنيّة الأوتار؛ فترى أبو اسحق مُستجلي أسرار الطبيعة قد تجلّى في القمندان ، وترى ابن عبدربه قد تجدّد في عبدالخالق مفتاح ، وتلقى أمين نخلة اللبناني قد حلَّ في ثوب الأمير عبدالحميد عبدالكريم.

وكانت الأغنية اللحجية عنواناً للطرب العربي. إنها تنشر أجنحتها فوق نغمٍ مُؤَصَّلٍ ضاربٍ في الزمان. تقف على مفردة فصيحة مسكونة تحتضنُ سِرَّ العربية من غير بوح. تطلع المفردة من قلب الشاعر لا من لسانه. ويُلْبِسها الملحنُ دسمالاً غالياً من تأويله الواعي ، ومن أنينه الفاهم ، ومن شعوره الفَيّاض ، ويصدَح بها مطربٌ ماهرٌ موهوب ، ذو خِبرَةٍ واستعدادٍ وسحر ــــــ  وليش مقلوب مني / وين طبعك الأوّلي/ قط ما شفتك ولا يوم حردان

            ليتني يا حبيبي           

للدان اللحجي قواعد في النظم مرعيّة ، وله شروط في الأداء صعبة؛ فمثلما يؤْثِرُ الشعراء تجنّب النظم على وزن الدان، يتحاشى المغنون أداءه لصعوبته ؛ إذ هو يتطلب حنجرة سليمة لا خدش بها. أما موضوعه فالبكاء والشكاء من هجر المحبوب واستعطافه، وإرسال تلك الشجون مع الطير الصارح الصادح حتى دُعيَ أهم ألوان الطرب اللحجي:" وا طير"، وهي البادئة التي يُفتتح بها نص الدان. هذه أغنية (ليتني يا حبيبي) وهي من أعذب الطرب اللحجي على الإطلاق بناها القمندان على موروث من شعر ولحن فضل ماطر.

كلمات ولحن: فضل ماطر :

قال أبو سَعـدان: 

قال أبو سعـــــــدان ما شيْ خطأ يا مَن * تهــــدّى لمضنونه سفرجل ورمان

قال أبو سَعـدان مَن سايرالسُّعـداء سَعَدْ * والشقي يخــوَرْ من الكُـوْز فنجانْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــ         

كلمات الأمير القمندان:   

ليتنـي  يا حبيبـي  بلتقي  بـك  يا هَـلِـيْ  *  في السمَر ســاعة هنيّــه لها شـان

ليه مقلوب مني؟  وين طبعـك الأوّلي؟  *  قـط  ما شفتـك ولا يـــــــوم حَـرْدان

"قال أبو سَعـدان مَن سايرالسُّعـداء سَعَدْ * والشقي يخْوَرْ من الكُوْز فنجانْ"

واقتسمنا المحبة قسم وافــي (عبدلي)  *  ما  دخَـــلْ فينا (عُـزَيبيْ  ولا  بان)

يا عسل من طنوبه مَرْحْ مَنْ ذاقه سِلِيْ *  للشفـــاء منـهْ علــى الريق  فنجان

بأ معـك وانتَ ســـؤْليْ حيثما حلّيت  * ما عاد بأ (الحوطة ولا الشيخ عثمان)

في ريــاض (الحُسَيني) يا صباح الباكرِ *  غــنّ سمّـعـنيْ شَجَـــا نغمــة الدان

حيثما الرّاح وافي فيه والماء صــافي  *  حيثما يسجـــع غبَـشْ قمــري البان

جـسْ لك في الحُسيني بين ورده وفُلّه  *  والعنبْ عنــدك مُـــدلّى بالأغصــان

(واشترح وا متيّم محنة الحــرب هبّت * كسّر السركـــال جَرْمَــــــل وطليان)

 

مهرجان القمندان عام 1988

__________

ديوان القمندان2المفردات: هَلِي: ناعم الجسم ، بضّ. وافي: مكتمل. حردان: غضبان، زعلان. أبو سعدان: كنية شاعر لحجي قديم. سايَر السُّعَداء: سار معهم، وصادقهم. يخْوَر: يتمنّى. الكوز: الدلّة أو قُلّة الماء. وعلى هذا البيت الموروث بنى القمندان أغنيته. عبدلي: المنتسب إلى قبيلة العبدلي (العبادل) وهم سلاطين لحج وعدن (السلطنة العبدلية). عُزيبي: من قبيلة (العزّيبة) في قرية صبر بلحج. بان: من قبيلة (آل البان) ومساكنهم بقرية الحمراء بلحج. الطُنُب: عرق الشجر؛ والطَنَب ضرب من الشجر. مَرْح: نقي صافي. الريق: هو اللُّعاب والكناية هنا عن تناوله قبل الفطار والفم لمّا يذق غير لعابه. بأ ويبأ: أصلها يبغى ولأن اهل لحج ينطقون الغين ألفاً صارت (يب ء ى) فصارت الهمزتان مضاعفة فنطقت يبأ. سولي: هي سؤلي مخففة اي قصدي ومطلبي. الحوطة: هي عاصمة محافظة لحج ومدينة الشاعر. الشيخ عثمان: من مدن محافظة عدن. الحُسيني: بستان لحج المشهور بفاكهته ورياحينه وقد مثل مغان طيبة للشاعر القمندان. جِسْ لك: أجلس، أمكث. كسّر السركال جرمل وطليان: إشارة إلى انتصار الحلف في الحرب العظمى وانهزام الألمان والإيطاليين.

كتاب عن المهرجان في 1988 لسلوى صنعانيالشاعر: الأمير أحمد فضل بن علي العبدلي الملقب بـ (القمندان) (1885 ــ 1943). ولد في مدينة الحوطة محافظة لحج ـ اليمن، هو أبو الغناء اليمني ورائده في كل جزيرة العرب بلا منازع. شاعر عامي فحل، وكاتب مجيد ومؤرخ ثقة. كتب الشعر العامي فتسلل إلى قلوب الناس إذ وجدوا في أغانيه تعبيراً عن مشاعرهم وما تلتهب به أفئدتهم من لواعج الغرام. غلبت على شعر الأمير بساطة المزارع وفرحة الفلاح ؛ فالأرض والزرع والخضرة والريحان هي غاية متعته، بل كانت المرأة وسيلته للتمتع بالفاكهة والرياحين أو مكملاً ضرورياً لذلك.

المصدر المفيدترك الأمير القمندان ديوان شعر عنوانه: "الأغاني اللحجية" صدر عن مطبعة الهلال ـ عدن عام 1938م ، ثم وسّعه وأسماه:"المصدر المفيد في غناء لحج الجديد" وصدر في خمس طبعات عام 1943و 1983و1989م، وفي بيروت عام 2006. وفي التاريخ ترك كتاب "هدية الزمن في  أخبار ملوك لحج وعدن"(ثلاث طبعات)، وله أربع مقالات:"فصل الخطاب في تحريم العود والرباب" و"لمن النصر اليوم: لسبول الذرة أم لطبول المجاذيب؟"و"الخزائن المظلمة"و "وداع بيت أكبار". زاره الأديب الكبير أمين الريحاني في لحج وأسماه في كتابه (ملوك العرب):"شاعر لحج وفيلسوفها" ووصفه بـ"سلك الكهربا في لحج". 

دار الشيخ محمود فضل العقربيالمغني والملحن: فضل ماطر "بِجَبَل" ملحن معروف من أهل لحج توفي في 1915م، ولعل ميلاده قد كان في 1835 على اعتبار أنه عمّر ثمانين عاماً؛ فقد كان في شباب القمندان شيخاً مسناً. كان مهتماً بالتراث اللحجي وأسهم في تطويره. يقال أنه ظهر عام 1895م يغني لحنين له هما: (يا طير كف النياح) و(يا مرحبا بالهاشمي) ، وقيل أضاف كلمات إلى أغنية (شراحي) وأضفى للحنها خفّة وبهجة.(2) ومن ألحانه: (صابر على عهدي وبا موت) (ليه الشجن يا حاطري بايصلح الله كل شان) (من بعد الصفا) التي بنى على ألحانها الأمير القمندان،  وغني من لحنه وشعر العيدروس (عليك بالله تكلمني) وسجلت على أسطوانات ( بولزن ) وغنى (على الحسيني سلام)، (يا شهر يا سامر ، الليلة متى با تغيب)، (ليل يا ذي الغوافي) و (أسرى نصيف الليل من غير عزيمة..يا مسيمبوه). توفي سنة دخول الأتراك لحجاً أي 1333هـ/1915م.

المطرب: الموسيقار فضل محمد اللحجي ( 1922 ــ 1967 ). ولد بمدينة الحوطة  مطرب لحج الكبير فضل  محمد اللحجيعاصمة محافظة لحج. تلقى مبادئ القراءة والكتابة والعزف على آلة العود على يد أبيه. ثم تعهد الأمير القمندان به وبزميله مسعد بن احمد حسين، وجعل منهما مطربين مشهورين في اليمن وخارجها. وقد تفرّد فضل محمد في تطوير بعض ألحان القمندان وبعض ألحان التراث بالإضافة إلى ابتداعه لألحان جديدة محافظاً على مدرسة القمندان ومضيفاً إليها. ويُعد فضل اللحجي أفضل عازف على آلة العود في جزيرة العرب، وأكبر مطربي اليمن. وبتعبير فيصل علوي :"لما يعزف فضل محمد يجيك كما السيل.. سيل سيل". إن لفظة "موسيقار" تصحّ لقباً لهذا المطرب الذي أرسى مع أستاذه القمندان بنيان اللون اللحجي؛ ---_thumb42واستحقّ أن يذكر القمندان إسمه في قصيدتين. عُرف فضل محمد بفضله وبساطته وتعاونه ومحبته للناس وبعزّة نفسه. من ألحانه: (طاب السمر يا زين)،(البدرية) و(سال لِحْسان) للقمندان؛ و(سرى الليل يا خلان) و(يا عيدوه) لسبيت؛ و(سقى الله روضة الخلان) لصالح فقيه، و(أخاف) و(قضيت العمر) لصالح نصيب .. وغير ذلك كثير. جمع الشاعران عيسى ونصيب سيرة حياته في كتاب: (فضل محمد اللحجي: حياته وفنه)، صدر عن دار الهمداني ـ عدن عام 1984م. توفي في 3 فبراير 1967م ودُفن بالحوطة

المطرب فيصل علويالمطرب: فيصل علوي سعد ( 1949 ــ 2010 ). ولد بقرية (الشقعة) مديرية تُبَن محافظة لحج. احترف الغناء صغيراً بالتحاقه بالندوة الموسيقية اللحجية في العام 1959م بمعية كبار شعراء لحج ومطربيها. ومنها صدح بأولى أغانيه (أسألك بالحب يا فاتن جميل) من شعر أحمد عباد الحسيني ولحن صلاح ناصر كرد و (ورا ذي العين ذي تدمع) كلمات عوض كريشة ولحن صلاح كرد.. تميّز بعزفه الجميل على العود، وبصوته الجهوري الأخّاذ. بعد وفاة أستاذه الموسيقار فضل محمد اللحجي، غطّت شهرة (أبو باسل) كل جزيرة العرب، وغدا مطرب الجزيرة الأول بلا منازع. غنى في القاهرة وبيروت ولندن، وطاف أصقاع المعمورة يحمل شعراً ونغماً صافياً ضافياً، ومحبة وسلاماً. لقد كان أحد اعمدة الأغنية اللحجية في دورها الثالث. كتبنا عنه كتاب:(المقامة اللحجية: نحن للطرب عنوان). توفي في عدن في 7 فبراير 2010م.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


غناء فيصل علوي - الندوة اللحجية 1959



غناء: فيصل علوي