وجاءت نادين تنثر الشعر دررا ً في سوح القصيد ، وتجمع النثر دموعاً من ندى على شجرة الشعر. في نثرها ألوان منسجمة متوائمة، وترى معانيها ماسكةً بيد الصدق تراقصه على نغمة العشق والدهشة، وتشهد العفوية فراشاً يتنقل على فواصل قصيدها بالمحبة والسلام.
في نثر نادين عاطفة عاصفة وذَوْبٌ في صدق المعنى. الطهر روحهُ ، والألفةُ في حروفه والودّ والوداد. في ليلة خسوف القمر تضيء هذه السلامية ليلنا بسراج العشق المستمد زيته من مداد قلبها الشاعر:
" قلتُ وأكثرتُ من الاحلام/ قلتُ وأكثرتُ منه في الأحلام وخارجها/ قلتُ هو موطن قدميّ/ وهو سفري الدائم إلى موطنه/ قاومتُه/ وغبتُ عن الوعيّ/ حتى استنفدتُ كلّ الأحلام/ وصار هو وطني/ قاومتُه من جديد/ فعبقت السماء بخوراً/ استنشقتُه/ فسال عطره من جديد في ما بقي من أحلامي/ فوقفتُ منتصبةً/ أتحضّر لمفاجآت ٍ كثيرة أطلقتها عيناه/ تهمس في أعماقي لقائي الأوّل به/ وتزفّه إلى السماء". ـــ 16 يونيو 2011
في طريق الوصول إلى الحقيقة يكون في التعثّر بالجمال لذة العثرة ، فهما كما عبر كيتس (Beauty is Truth, Truth Beauty) .. والسلامية تقمط صبياتها الحسان بصدقها الشاعر:
" لا يتعبني سوى الصمت حين ألمحك آتيا نحوي في جنون الليل، أحاول التقرب من طيفك، فلا ألمس سوى قشعريرة تحاول إحيائي من جديد، ليتك تلح أكثر في صمتي لأشرد مع طيفك في مساحة الليل، ليتني أجمل منك بكثير أو حتى بقليل لتترقب وجعي من اشتياقك فأصرخ مع وجعي منك في هذيان الليل المجنون: "آه كم أحبك!" ثم أنام في كثرة هذياني فيك." ـــــ 8 ابريل 2012
تتقلّب (السلامية) ما بين النور والنار ـــ والطريق إلى الجحيم من جنة الفردوس أقرب. تسير في درب الشعر المعبد بالشجون، المغتسل بماء العيون .. وتستحيل يمامة أخرى ترى بمرود الشعر في العتمة الزهورَ وألوانها .. ولزرقاء العيون من مارون صرعى بلا قوَد:
دعني أتحرّر منكَ/ وأزفّ لقاءكَ في مواعيد المستحيل/ أنا التي تصرخ لئلا أنتهي/ وتسير في درب الجنون لئلا أفقد صوابي/ أذرف دموعاً فيصير تحتي المطر/ نورٌ يرفعني/ وجحيمٌ يقتلع جذوري/ فصرتُ كالغبار أرقّع الأجواء/ لم أعد أذكر شيئاً حتى اسمي/ سأجالس العتمات وحدي/ وأصفّها على قياسي/ وأزرع فيها زهوراً من كلّ نوعٍ/ من كلّ شكلٍ/ من كلّ لونٍ/ وحده الحبّ الحقيقي يحاصرني/ وحدها فكرة الخلود تجذبني مراراً مراراً." ـــــ 19 فبراير 2011
كماربولس، مكّنَ السلامية إيمانُها الشديد بقلبها من نشر شعرها في الناس دينَ محبّة .. وكنار الناصري الملتهبة تشتعل هذه العاشقة وتُلصي مواقدها في حَشَا قرائها ناراً تلظّى، فأشهد بني الغرام يتحلّقون حول نورها ، وكأني أسمعهم يهتفون: "محبة بالمسيح كيرياليسون":
أرجوكَ سيّدي لا تغادر الأفق/ لا تغادر المستحيل/ أنا قادمةٌ اليكَ/ من عتمة التاريخ/ من زمانٍ مبهم/ في نزوحٍ أكيد/ في غلطةٍ غير أكيدة على كفّي/ أحمل رسائل غرام/ وقصائد تملؤها الأحزان/ وأمنيات العيد السابق/ ووردةً حمراء نسيتُها ذات يوم في فمي/ أنا قادمةٌ على الأكيد/ أرجوكَ سيّدي لا تغادر الأفق/ أنا غلطةٌ ورغبةٌ واثارةٌ وانتعاشٌ ونقطة أمل باتت تلاحقكَ/ ولا تفارقكَ/ تستغيث بي لتذكرني بكَ/ أرجوكَ حبيبي لا تغادر حلمي الأخير". ـــ 7 مايو 2011
وكالطبيعة التي لوّنت وجهها بألوانها، تبرّجت السلامية في خفاءٍ وخَفَر. "صفصفَت" شعرها الأشقر (من الصفصاف) ولم "تصفّفه" ؛ و"نده" لها حبيبها فهرعت إليه، والفعل "ندهَ" لا يصح كما يصحُّ في نداء (ندى) و(نادين) و(نادية) وهو في العامية فعل مشحون بالتحبيب والتدليل. الله كم حسّها جميل وذوقها سليم هذه السلامية:
مذهلةٌ هي حياة العشق في ابتساماتها/ ومذهلةٌ أيضاً في دموعها/ مذهلٌ هو سفري الدائم في حكايات العشق/ مذهلٌ هو استسلامي المطلق في جنون الليل/ مذهلةٌ أنا/ كم صرتُ عفويّة/ كم صرتُ أجمل/ كم صرتُ أعمق/ كم أصبحتُ أحبّ طيور السماء وفراشات الحقول ورسائل الغرام/ كم لوّنتُ وجهي بألوان الطبيعة/ كم تبرّجتُ في الخفاء/ وكم صفصفتُ شعري على آخر موضة/ مذهلةٌ أنا ما ان نده لي حبيبي/ حتى تركتُ كلّ شيء/ وكتبتُ له قصائد حبّ لا تنتهي."ـــ 17 أبريل 2011
إنّ شاعرتنا تحنّ وتأن معاً: حنين موسى لأرض الميعاد ، وأنين المشتاق لـ"زاد المعاد". أراها، كإبن الرقيّات، تهجو بالغزل، وتكاد تصل تخوم نكسة غرام. زجاج قنديلها مجلي وفتيلته أشعلت جذوة العشق القامر:
عابر سبيل ... تحتويه عتمات المغيب/ يفصح عن قضيّته للقمر/ يؤكّد حضوره في مجتمع الذكورة/ يخاطب الجميع برؤية مستقبليّة/ يحويه دائماً عطشٌ الى امرأةٍ مثلي/ ينزلق في مسافاتٍ/ بعد أن يفصح عن قضيّته للقمر/ ضيّعته الحياة عند ولادته/ فلاقته روزنامة العمر عند محطة أنوثتي/ عابر سبيل قال لامستُ سرّ الحياة عند حبيبتي/ فحبّها كان قبل الوقت بكثير/ وقبل السكون بقليل/ تخلّيتُ عن قضيّتي وعن حضن القمر/ لأزور جمالها عند كلّ فجرٍ".
أنظر كيف تُلبس (السلامية) بنات أفكارها ستايل العصر ، فيتخطّرّن على صفحتها في رشاقة وغنج:
أني غنج غنج الغنج غنجوج لا هَوَس * أني درّ درّ الدّرّ ، حبّـات خالصِ
ما أحلى شهقة المصباح..
وتتهجى (السلامية) الغموض ، وتضع اسمها على شفتي الحبيب وسماً ووشما. تجعل خاطرها لهاجسها فِراشاً ، ويستحيل عشقها، في عيد العشاق ، على ندى خدها فَراشاً ؛ تملأ الكون مباهج ملونة:
سأناديكَ بأسمٍ لا تعرفه الّا في الأحلام/ سأهجّئ حروف اسمكَ الغامضة/ ربّما سأناديكَ باسمٍ اخترعته امّي لي ذات يومٍ/ باسمٍ عرفني به الزمن/ باسمٍ أثار فضول من لقيتهم/ وحثّهم على معرفتي/ ربّما سأعطيكَ اسماً عايشتُ كلّ حرفٍ من حروفه/ عندما غبتُ عنكَ في حلمكَ الأخير/ وتركتُ قلبكَ بلا حضور/ اقبل باسمي ليكون اسمكَ/ واحسبني امرأةً ولدت لأجلكَ/ احضن اسمي بين شفتيكَ/ وقبّل صفحات ذاكرتي مراراً/ لأدرك امتدادكَ في الكون يا حبيبي." ـــ 13 فبراير 2011
إنّها (عبدلية) الهوى (قمندانية) الترجيع .. ومقلع أهل الغرام واحد ، والجَبر ديدنهم:
يا حلو يا شهد (لبناني) وطعم المربّى * المُحتجبْ عن عيــوني أوســع القلب نهبا
متى عسى يا حبيبي بايبـــان المخـبــأ * شوف كل شي ما سوى جبر المحبين فانِ
على عهد (وردزورث) كان تعريف الشاعر (a man speaking to men) وأصبح في عُهدة (نادين) يعني (a woo-man speaking to both)؛ لقد صيّرت (السلامية) المعنى شعبياً فاسترّ ذوو التأويل المحدود، وجعلت المبنى عصرياً لسُكنى القلب المعمود.
تنفخ فتسير كلماتها على حواف الجسد قصيدة فتيّة مشتعلة ، على خدها البهي همس المطر، وشوق الزهَر لحلم منتحَر، وعلى شفتها ندى الفجر وسَلاه ؛ ندىً يبلُّ عروق القصيدة ، ويروي صدى قلب هاجس أمير. تأتي هذه الفينيقية من أقاصي الأرض ـ في حُلّة العُرس ـ لتلقي على الأرض سلاماً. إنها تهلك نفسها من أجل الهاجس ، فاستحقّت أجر الشاعرة:
" أقدّم حبّي لكَ على الهواء/ وأزرع فيه وروداً وذاكرةً تنسى/ حتى كلّما تنشّقتَ الهواء يا حبيبي/ تشعر بولعي الكبير بكَ/ وروحي تؤكّد ايحاءات حبّكَ في ايحاءات الزمن/ سماؤكَ تحفظني في ذكرياتها/ وعيناي ما تزالان ترسمان بُعدها/ والقمر يغرق في سُباتٍ عميق على صدري/ دعني أستجيب لقدركَ/ وأفوز بعتمةٍ تصلّي/ دعني أقدّم حبّي لكَ من جديدٍ على الهواء/ وكأنّ روحي لها مفاتن أخرى/ وأنا أتقدّم نحو موتٍ لا متناهٍ/ نحو همسات السكون". ـــ 9 فبراير 2011
* * *
أودّ لو تُجرى ( قصيدة النثره ) على فاعلن فاعلاتن .. لينضاف إلى جمال صورتها صوت حسن ــ والقصيدة أنثى وهاجسها ذكر :
تدعوني القصيدة ... تلحّ بين أصابعي/ وأنا أدعوكَ من جديد/ وقلمي مدركٌ أنّني أهذي/ أعود وأقرع حلمكَ الأخير/ لتعاود مراقصتي بين الليل والقمر/ بين الألوان والأشجار/ وعيناكَ تقذفانني الى عشقٍ آخر بديلٍ عن القمر/ أسمع صوتكَ يتقاذف الأمواج والأمطار والندم/ كأنّ الفجر لا يأتي الّا عبر يديكَ/ كأنّكَ تتباهى بالظهور في قصيدتي/ أترّقب روحي في قلمي/ أنخطف من جديد/ لتنخطف معي بين أصابعي". ـــــ 27 يناير 2011
جميل أن تقرعين الحلم بالقلم كي يفيق لمراقصتك على ضوء القمر ــ والقمر رمز العذرية .. (the ghost of the moon) ، والمخالفة في جعل الصوت يتقاذفُ الموجَ والندمَ بديعة طريفة. أما "وعيناكَ تقذفانني إلى عشقٍ آخر بديل" فتسير أنيقة كأخواتها في النص لا يُشتكى منها قصر ولا طول. لبنان بلد المحبة والجمال وعنده فقط ينقلب تعبير (الشيخ زُبير) إلى: And every fair from fair emerges .
وكما هي مبدعة في العربية، تكتب نادين بالفرنسية وستخدم القافية وتُبدع:
Reste avec moi je t'aime./ Car moi, je t'aime comme au début/ et je sens avec toi le même frisson bien vécu./ Je ne sais pas pardonner ton absence./ Mais j'ai beaucoup d'amour à te donner./ Viens, ouvre la porte je suis là,/ j'attends l'espoir./ Ce n'est pas encore trop tard./ Je n'ai plus peur que tu m'effaces./ Viens mon amour délivres-moi./ Désire-moi./ Dévoile-moi doucement./ Dessine-moi du bout des doigts./ Comme une blessure de bonheur/ Déchire-moi et refais-moi./ Ne laisse pas notre amour s'entraîner sans couleur./ Viens à mon coeur./ Je t'invite à un rendez-vous secret/ où nous nous parlerons d'amour sans peur./ Viens à moi/ une nuit sans sommeil et pleine d'émotion./ Ne déchire pas mon coeur avec frisson./ Viens à moi, l'amour est beau./ Pourquoi ce mot d'amour est si fort, si chaud?/ Je crie son refrain,/ avec les lèvres séchées, les yeux égarés./ Alors, viens! (Extrait de mon nouveau livre: 'Je t'aime malgré tout').
في نثرية من أحلى خطراتها تقول نادين:
قبل قليل عدتَ إليّ/ مسمّراً على نافذتي/ يخال لي كلّ مرّةٍ أنّ جسدكَ رطبٌ/ وعينيكَ تذكرانني أنّكَ الحبيب/ وأنّ زيارتكَ لي كالمطر المفاجئ/ ,كأنّكَ تهبط إليّ من حيث لا أدري/ وقلبكَ مخمورٌ يصارع الجمال/ أكاد لا أصدّق أنّكَ لذاتي توأمٌ/ ولعشقي بديلٌ/ أكان عليّ التساؤل عن الحبّ اللجوج فيكَ وفيّ؟!" ــ 19 يونيو 2011
الله ، ما أحلى الشعر حين يشبه غزل البنات ، وأعذب الغزل حين يكون من شِعْر البنات وشَعَرهنّ ، تَنبتُ معانيه في الفؤاد وتعرِّش في الذاكرة وتحتلّ الوجدان احتلالاً إنكليزياً. يسلم قلبك أيتها السلامية.
"يا سيّد/ اليوم لقاؤنا الأوّل/ تفاءل بالحبّ/ تجد الحبّ/ لن أقول لكَ/ أحبّكَ فوراً/ بل سأتأكد من إصرارك/ على نزوحكَ إلى جسدي/ وإصرارك على إجهاضي/ وخلقي من جديد/ سأتأكد يا رجل من فكرة الولادة الجديدة فيكَ/ ومن فكرة الموت في ساحات جسدي عندكَ/ ومن فكرة التحليق في قلبكَ في الهواء/ والبحث دوماً عمّا هو جديد في القمر / لن أخلق لكَ عالماً جديداً مثيراً/ بل سأثور معكَ كقضيّة الخلود في جنّة العدن القديمة". ـــــ 11 ديسمبر 2010
يا ابنة الكلمة ، إنك تنفخين من روحك في كلماتك فتسري صبيّاتك فينا بالمسرة والسلام. قال أبو محمد : "التجسد الشعري هو الشعر كله"..
حلمك أندى من يدي يا نادين ، إنما يذكي القريحة الضيق لا التصفيق.. يقول أستاذي سالم عزيز في ديوانه (200 Close Couplets):
Full all your mouth with iceless cream
Your life is but an icefull dream
إنما اشتقّ لبنان من اللبن معناه ؛ فكان صفاء ، وكان نقاء ، وكان شراباً منسكباً كشعرك فيه الشفاء. تعطّر نادين الساحات بأنفاس الغرام وليس بالبخور الجوري كالعابق في مار أفرام، فلا تكتم يا قلبها سرّاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* ليست هذه مقالة بل بعض من تعليقاتي على نصوص للشاعرة نادين كانت نشرتها على صفحتها بالفيسبوك.
** شاعرة لبنانية في اللغتين العربية والفرنسية ، تُعرف بلقب:"شاعرة الحب". تحمل إجازة في الحقوق اللبنانية من جامعة الحكمة ـ بيروت. تعمل كمستشارة قانونية في الجامعة اللبنانية الكندية. وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان .. لديها أربعة دواوين في الحب: "إنخطاف"2002 عن دار الأوديسة ، "جسد يتعانق" 2005 و"ما بين الحب والحب" 2008 عن دار الفارابي، و باللغة الفرنسية "أحبك رغم كل شي" 2012م.
*** عنوانها على الفيسبوك: (http://www.facebook.com/profile.php?id=774209538&ref=ffa)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغنية ( مطر نيسان ) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل العبدلي (القمندان) ، غناء: فيصل علوي
المقام: السيكاه ، الإيقاع: مركّح لحجي ( 4/4 هاجر + 2 مرواس )
أغنية ( يا سلام ) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان، غناء: عبود زين