شريط

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مراث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مراث. إظهار كافة الرسائل

15‏/4‏/2014

إبن سعد .. حبيب المرأة وصديقها

(توفي في 16 ابريل 2002م)

خور مكسر ــ عدن

الفنان اللحجي محمد سعد عبدالللهعرف (بنو تبني) السعادة وعُرِفوا بها وعُرِّفوا. ذاقوها على الحقيقة والمجاز ،وأقاموها مزاراتٍ في بريّة (عُبَر السعدييْن)، وداروا حول (سعد) و(سعده) دهراً وبعض الدهر.. وهؤلاء (بنو سعد عشيران) بقيّا. والسعُد نباتاً وجدولا، وفاض سعيد والسعديين .. وهذا محمد سعد عبدالله واحد من السعداء.

الأغنية اللحجية شعرٌ خالص نُظِم للخاصة ، وصُبَّ في بوتقة العامة ، وهي لحنٌ عمره الدهر ، وضربٌ سلطانيّ صُكَّ في الحوطة العبدلية فخرج سبائك سبائك..

 سارت بنت "صاحب النسرين" في الناس بالهناء والمسرّة. فعصَرَ اللحجيُّ على شرفها وداده وسُهاده، وأسالَ عمرَه منىً وأمانيَ من نغم .. شرَبَ بقلبه وأعلن فرحته على الملأ بصوت بن سعد :

يا فرحتك يا فؤادي / سال سيل الهنا / سقوا زهور المحبة / بانقطف الفن زهرة

غنّت بنت دَرِينه والنوبي والظاهري وعيسى والطميري وسعد عبدالله وعلوي سعد، وتوارث الأبناء صنعةَ آبائِهم فجاء "السعداء": أحمد صالح عيسى ومحمد سعد الصنعاني ومحمد سعد عبدالله وفيصل علوي سعد فوق آبائهم. 

المطرب أحمد محسن عبدالله (الشلن2في آل سعد سرت المسرّة: كان (سعد عبدالله صالح اللحجي) مطرباً معروفاً في لحج ، فأخذ عنه ولده محمد صنعة  الغناء ، ثم حلّت المسرة في بيت أخيه (محسن عبدالله) فأزهرت في ابن خالتي أحمد محسن عبدالله (الشلن) ـــ ومن جبح النوب أشتار العسل .

كبشار، تعالى اللحجي شاعراً ومطرباً عن العوام وظلّ بينهم، وهنا يقع سرّ تفوقه. بلغ الشاعر ذروة الفن إذ خلق من أبسط المواد وأرخصها فناً عجبا. استغنى عن أدوات التشبيه وجاء بصور جديدة طريفة لم يسبقه إليها أحد:

        با اذلح لك الغالي لما تقول لي بس  /   با امسي على بابك والبرد سعبوب

محمود  السلاميواستولى المطرب محمد سعد على قلوب أهل الغرام في الجزيرة وخارجها، ورددت مطربات العرب ومطربوها أغانيه، وصار بيرقاً ذي رنين متواصل يملأ الأسماع والأصقاع، غير أنه ما برح بقعته أمام مقهى الشيخ عثمان رديفاً لصديقه كاتب العرضحالات الشاعر محمود السلامي "الساكت ولا كلمة"، كان كلاهما بسيطاً وكبيراً في آن ..

كونت لحج ثقافة (أبي مشتاق) الشعرية فجاء شاعراً رقيقاً كماء تُبن ؛ وشكّلت الدلتا ذاكرته الموسيقية فانساب كأعبار وادينا، هادئاً وقوياً معاً ، مستوعباً لموسيقى بلاده ومجدداً ، غنى اللحجي والصنعاني والحضرمي فأجاد. وضع محمد سعد عبدالله ألحاناً ثبّتته في قلوب المستمعين إلى الأبد:

                   تذـكرته  إذا  نسنـس  بـرود  *  على جسمه وحرّك شرشفه

                   وذي اليديـن ذي فيهم زنـود يطـوّقني  بهـم  لمّا  ارشـفه

                        هَلِيْ يا سُعـد مَـن شافه  ــ  مُهَـلاّ ، كـامل أوصـافه

                                وانــا فدو العيـون السود والخد الأسيـل     

                                                  ما بأ بديل 

أغاني ابن سعد هي قصائد تحمل ألحانها في أحشائها ؛ فأبياتها حسنة التوزيع ، وأشطارها منوّعة القوافي، فيها تكثيف موسيقي، وفيها تكرار للعبارات وهذه من لوازم الأغنية؛ هذا هو سرّ حلاوة لحنها ؛ وأضفى عليها أداؤه جمالاً على جمال.

في (أيش همّني) تجد ابن سعد عبدالله صالح فلاحاً لحجياً خالصاً حتى في خصامه:image

          أيش همني

          لو دمعتـك سوّت على خـدّك علامه

          أما  أنا  لا شي  ترد  عندي  ملامه

          ذوق العذاب واسهر وذوق طعم المراره

          خَلّي العـذاب يكويك وذوق واحرق بناره

          أما أنا أيش همني

لقد استوحى ابن سعد الشيخ عثمان لغة ووجداناً فسكبها شعراً ولحناً عجبا:

         مُدّ لي يا زين يدك ، وانا با مُـد لك يا زين يـدي

         ضاع عمرك وانت وحدك  / وانتهى عمري وانا عايش لوحدي

         ليش ما نرجع كما كنا أنا وانته زمان  /  قبل ما تذبل زهور الحب ويفوت الأوان

         شوف انا ما طيق بعدك ، وانته ما تقدر على هجري وبُعدي

         مد لي يدك

هذا شعر أندلسي يُذكِّر بابن هاني وابن قُزمان، صُبّ في لحن يفيض بالصدق والشجى والشجن. ابن سعد حبيب المرأة وصديقها. خاطب المرأة بلغتها ففهمته ففاز بحبّها ، وسرت شهرته في الناس حتى صار محلّ حسد الحاسدين وكيد العاذلين:لهيب الشوق ـ ديوان محمد سعد

            حسّــك تقـول اننـا مقــدر علــى بُعــدك

            أنا اقـدر انساك واخليك للضنى وحدك

            واذوّقك نار لا دمعك يطفيها ، ولا أنينك ولا حزنك ولا سُهدك

            أنا اقـدر انساك

كان فقيدنا طِبّاً بأمر الحبيبة المُعاندة ، مُلِمّاً بحيل أهل الغرام ، وهاك واحدة من حيله: ... (2)

            قلبي بيـدي، وانا  اللي  قلـت  له يهــواك

            وان قلت له انســاه بلحظه قلبي باينساك

هذا كلام كذبٌ كلّه ولكنه حلو ، يستخدمه قائله لاصطياد الفريسة ، وفي أحسن الأحوال فإن صاحبنا يحاول تعزية النفس وتفريغ غضبها لا أكثر ، أما الحقيقة فليس في عالم الهوى من يقدر على توجيه قلبه أو يقوى على السيطرة على عواطفه. تعاطفاً يمكننا القول أن هذا الحب غير صادق:

          لو حد أجا لك وقال لك أننا أشتيك / حسك تصدق ، أنا ما عـاد أفكر فيك

          لا تحسـب اللي مضى يقدر يخلينا / أذل نفسي واجي استعطفك وارضيك

كان ابن سعد في (أقدر أنساك) متصنّعاً ، وهوذا في (كلمة ولو جبر خاطر) يتودد ويستعطف ويرجو ، والنفَس ذات النفس:image

 إن كنت ناوي تعذبني / أنا راضي بتعذيبك واحبك

مَنْ منّــك أنتـه يقنعـني /  ومن يقــدر يخلينا أحبك

     حرام ما دمت صادق/ تهجــر وتبعـد بعيد

     كلمة ولو جبر خـاطر/ ولاّ سلام من بعيد

     ولاّ رســــالة ياهــاجر/ بيـد ساعي البريد

هكذا نسج ابن سعد من المفردة العامية وتعابير الحديث اليومي قصائد تقطر فناً خالصاً ، وصاغ من ضمير العامة ألحاناً غاية في الإطراب والسلطنة فكان في مضمار الأغنية نسيجاً وحده.

إن جاز لي تصنيف المطربين اجتماعياً فإني أقول أن ابن سعد قد كان لوحده جماعة فنية كاملة ، وإني أرثيه بأرثى بيت قالته العرب ، بقول ابن الطبيب في قيس المنقري:

        وما كان (سعدٌ) هلكَـــه هلك واحدٍ  /  ولكنه بنيـــــانُ قــــومٍ تهَدّمـا

  ـــــــــــــــــ

  نشرت بصحيفة ( عدن ) العدد (13) في 23 نوفمبر2009

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( خلاك يا زين خلاك ) كلمات ولحن وغناء: سعد عبدالله صالح اللحجي  (الأب)

imageأغنية ( ما بأ بديل ) كلمات ولحن وغناء: محمد سعد عبدالله  صالح اللحجي (الإبن)

11‏/4‏/2014

الفارع الفاضل .. طاؤور العَدَن

الذكرى السادسة ــــ  ( توفي في 14 ابريل 2008م )

الأستاذ والناقد العدني عبدالله فاضل

...  واستراح رماد (أبوي عبدالله) في مقبرة الرحمن بمنصورة الشيخ عثمان، جاراً للحبيبين: والدي وحسن الحداد _ رحمهم الله جميعاً.

لقد مات قطب المعرفة الصافي ورأس النقد في اليمن ، ولكن إشعاعه يزداد مع الأيام ، فلا سراج يضيء وينير بعدما ينطفي إلا الأديب والشاعر. والذي يكبر بعد الموت هو الأديب الحق ، والشاعر المبدع ـ من مال الناقد يُهدى له أيها العاتق الأصيل.

تركنا "شيخ المترجمين" بعد أن رأى حصاده الثمين وجهد السنين زرعاً مثمراً فينا نحن أبناؤه ومريدوه. إيه يا أبتاه ، أنت مثالنا ، والتلميذ ينكبّ على مكارم معلمه ومحامده فينتهبها مكرمة مكرمة ومحمدة محمدة . إنـا نزن الحياة ، كما وزنت ، بميزان العلم والإرادة ، وننذر النفس، كما نذرت ، لأجل الخير والمحبة ، ولنا البشرى في الجنة ، ولنا في الدنيا الذكر الحسن. أنت حيّ فينا ، وإنّا لا نعزّي فيك أحداً غير عدن التي رفعتَ ذكرها عالياً في ساحات مجد الفِكَر .

كأبي عثمان ، شقّ (ابن الشيخ عثمان) لنا طريق الثقافة وعبّدها ، ومهد عقاب المعرفة ، وأرسى قواعد التدريس و التربية. إنه أشبه بابن بحر الذي قال فيه شيخ الأدباء : " كان ، وحده ، جامعة تُلقى المباحثُ عن منبره ، فتتلقاها الأمصار معجبة ومكبرة ... الجاحظ أبو الأدب الشعبي . جدّ ضاحكاً ، وتفلسف ساخراً ، وحلّ أخطر المعضلات وأدقها هازئاً ، فكان كل من جاء بعده عيالاً عليه حقاً ، فهو أستاذ الأصبهاني في أغانيه ، وهادي أبي العلاء إلى سلاح العميان وعتادهم".

كلاهما كان بحر علوم. امتلأ (أبوي عبدالله) معرفة ، فسال متدفقاً - وما قطّر . نشأ على الأدب والجمال وصار في ميدانهما فارساً لا يُبارى ، وكبُرَ حارساً مخلصاً لبيت الفن ، ومعلّماً نموذجياً تخصص في علم النفس وطرق التدريس يوم لم تكن اليمن تعرف أن التدريس علم وفن.

كانت حروفنا شاردة وكلماتنا مبعثرة ، فجاء سمير الكتاب ، حليف القلم ليعيد ترتيب أفكارنا ، وليرعى أسلوبنا ، وليشذب ألفاظنا فيضع كلاً في محله الصحيح ، بروح الناقد الأمين. وكانت طرق درْسنا بدائيةً خائبة ، فجاء كبير النِقاب ، نجيّ الألم ليصحّح اعوجاج منهاجنا ، وليهذب أخلاقنا ، بحلم الأب المستنير. منه تعلمنا أن العلم محبة .

شرب (ابن زيد) من بحور الشعر عذباً من تُبن ـ وادي المعرفة الأول ، وزمَّ من (ماء البمبة) مالحاً من بحر صِيرة ، وعبَّ من نيل مصر ، ونهل من منابع العلوم الإنسانية وآدابها بلغة أهلها حتى ارتوى . تعمّق في دراسة الأصول ، وتبحّر في متون اللغة ، وفَقِهَ أوابدها. لا تعْبَرُ الكلمة من شق قلمه عارية ، فبعد أن يربطها بأخواتها الواقفات في السطر ، يعنى شيخنا بتشكيلها ، فتخرج إلى القـارىء أنيقة زاهية كمقطريّة في (وِيْل) لحجي، تسرّ القلب والعين والخاطر.

كان حجة في اللغتين. ظلّ فارعاً وما تفرعن. وكأبي صاحب عين كفاع "لم يتدكتر لأنه جاء قبل الطوفان" ...

كان أستاذ الأساتذة والأساتيذ حاداً في نقده ، متصلباً لمملكة الأدب السامية من غير تعصّب ولا جمود. أسلوبه رصين بعيد عن الابتسامة ، وخالٍ من الجهامة. يكره خروج الأديب عن قواعد اللغة ، أو إغفال معجمها، ولكنه يمقت التشبث بالقديم على علاته. كالقمندان كان (الفاضل) يحدّ في لسانه لا في قلبه .. يعالج الفكرة بقلب مُبْصرٍ محبّ ، وبخاطر مستنير ، وبروح العدني الذي لا يكره أحداً.

كرابندرانات كان الفاضل معلماً فاضلاً ومربياً عظيماً ، مزج بين مزايا التعليم الحديث ومثُل العربي وأصالته. كان أديباً فريداً ، ومترجماً ثقة دعاه ماكنتوش: "(شيخ المترجمين) (Shaykh of Translators)". كان وجهنا الوضّاح في محافل الفكر والأدب ، وواحداً من مراجع جامعة العرب.

الشاعر احمد الجابري شاباًجاوز الثمانين وبقي جديداً كمعاني أبي الطيب. ظلّ أبونا عبدالله حتى أواخر أيامه أخضر الذوق ، طري التفكير ، عذب الحديث ، عندليب المجالس ، لا يتخلى عنه عنفوانه كما وصفه صفيّه الوفي أحمد الجابري:

عذبُ الحديث إذا ما جئتَ مجلسَهُ /   يوماً يحدّثُ ، لا ريثٌ ولا عَجِلُ

يأبـى التذلّل ، لا تلقــــاه فـي نفرٍ /  إلا ويشمخُ ، في أعطافه زُحَـلُ

أجل، لم يحفل أبو مازن بأهل الحول والطول من الكتاب ، ولا بأبهة السلطان فضحك في حضرته ، على وجه شبيه بأبي حزرة المازح في بلاط ممدوحه :

هذي الأراملُ قد قضّيتَ حاجتها  /   فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

كنا نهفو إليه فرحين لنعبّ من نبعه الصافي المعلومة والفكرة والخاطرة ، ولنستقطر من فمه الذهبي الإشارة السابحة ، والنكتة القارحة. نصغي إليه (مخزّنين) مشدوهين وهو يتدفق صافياً كنبع عقّان مورد (أبونا عبده عبدالكريم) - طيب الله ثراهما.

مارس النقد يوم كان الأدباء يتفهمّون غاية الناقد وصدق مسعاه . والناقد عند بعض الشعراء أبغض من الشيطان ، ولكن سجايا (الفاضل) الكريمة أبقت مُنتقَديه في خانة الخصومة (الأدبية) لا يتعدونها. ولما جفت منابع الشعر ومنابته ، ولم يعد يجد الناقد مرعى يدرّ عليه قلمه ، تحوّل إلى الدراسة والترجمة ، وأبدع فيهما كعادته.

ترجم عن الإنكليزية والأسبانية : (أما آن الأوان) و(مملكة الغربان)، و(رجال بلا نساء) قصص قصيرة لهمنجواي ، و(السياسي العتيد) مسرحية لإليوت ، و(عطور الجزيرة العربية) لهارولد جيكوب ، و ( اليمن: رحلات المتيّم المهووس في البلد القاموس : YEMEN: Travels in Dictionary Land) لتِم ماكنتوش ، وترجم مع ابنته شفاء بلحارث كتاب (صلاح الدين يلعب الشطرنج). وترك مقالات نقدية ودراسات متفرقة منشورة في الصحف والمجلات ، و ( محطات في حياتي) وهي خواطر عن تجواله في بلدان العالم ، وكيف حطّ في نيوزيلندا واستراليا ، وكيف درّس التاريخ البريطاني للبريطانيين .. وللفقيد ديوان شعر غير منشور بعنوان ( دوّامة الهباء).

كان (أبو تميم) أحد بيارق عدن ، الفردوس الأرضي الذي قال فيه سالم عبدالعزيز – رحمه الله :

             There towns are towns of doom and gloom

             And mine is Eden in full bloom.

الأساتذة عبدان وفاضل والدكتور بلال

أديبنا الكبير .. يا شيخنا الجليل ، يا أخ سالم عبدالعزيز وجعفر الظفاري وأحمد الجابري وأحمد حسين بلال ومحمد القاضي ويس عبدان ومحمد موسى والمحلتي ... يا صنو الحبيب الجامع ، أيها الجامع محامد الرجال ..

ياحبيب اللحجيين ، يا بن زيـد

يا طير السما ، يا (طاؤور) العَدَن

كقبّرة شلّي (Shelley) الحزين ، بنيتَ عشك على الطين ، وسط البساتين ؛ وغردتَ فسرى السرور عنيفاً ، وعلوتَ صادحاً مبتهجاً ، تحتضن نور الألم _ وترى في التطهر بالألم شفاء .. وتختفي فنسمعك ..

             Better than all measures

             Of delightful sound,

             Better than all treasures

             That in books are found,

             Thy skill to poet were, thou scorner of the ground!

كما تفتخر الهند بطاغورها ، تفخر عدن بطاؤورها .. وإذا عدت العرب أدباءها فهل نستطيع أن نقدم أحداً على أبي أوس ؟ لقد كان المعلم والمربي والشاعر والناقد والمترجم . كان صوت النقد الأدبي في جزيرة العرب. هو صوتنا في المدى ، ورمزنا في موكب الأبد.

يا أبتِ الحبيب ،

أيها الرجل النبيل ، يـا نابغـة بني عثمـان

سقى الله قبرك بغيثٍ من الوسميِّ قطرٌ ووابلُ .. ■

* نشرت بصحيفة (الأيام) ، العدد (5405) السنة 27 ، في 18 مايو 2008

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( المحبة عذاب ) كلمات ولحن: الأمير القمندان، غناء: يسلم حسن صالح

imageأغنية ( المحبة عذاب ) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان، غناء: فيصل علوي

24‏/7‏/2013

عبدلُ الغرام .. والتشرّد في ثياب الغواني

 الأمير  الشاعرعبدالحميد عبدالكريم بضيافتي الجمعة 9 أغسطس 1996 في ذكرى الفقيد الأمير عبدوه عبدالكريم
الخميس 28/9/2006م ، 6 رمضان 1427هـ  

إني محدثكم اليوم عن عناصر فقيدنا في الأدب والطرب. اسمحوا لي أن أدخل بستانه لأتقرّأ في ظلال أفنانه ، وأقطعُ من كلّ غصنٍ عِسْجاً ، وأقطف من حيث لذّ لي زهرةً عبدليّة. أدخل ديوانه وأطلع عليكم : في يدي معنىً مفيد ، وفي قلبي لحنٌ جديد ، وفي خاطري عنفوانٌ من عبدالحميد .

لا يُقَبض عميدُ غرامٍ ليلةَ أربعاء ...

وتمدّد اللحجيّ إلى مدخل الخميس وأسلمها في خامس رمضان الخير. هوذا يودعنا بقول السلطان الفضلي:   

با توكّل علـى الله  ذي عليه الوكَل  /  ذي سا طرق في البحور الطامية للمسافر 

ما با يفيد المـــداوي بعد أمر القدر  /  يهل البلد سامحوا (عثمان)  باطن وظاهر 

ديوان طاب يا زين السمر غادرنا شيخ الشباب  .. غاب آخرُ العبادلة السامرين في روضة الطرب اللحجي ! حمل نعشه أربعةٌ ، ومن ورائهم (لَرْضي) و(البيسة) ورجلٌ على دراجته .. وواروا جثمانه  الثرى في جنح الليل ، والليل حليف الشاعر وخليله ... 

مات فالج ــ والفالج الفحل، فلنربأ به عن التأبين؛ فما كان شاعرنا من أهل الأبَنَة    

مات نظّامُ الأغاني ، مات زرّاع المغاني ، مات مطلوب الغواني ...

مات عبدل الغرام المتشرِّد في ثياب الغواني ..

لقد طلبه من الدهر طالب الملوك ، كما عبر النابغة حين نعيَ إليه النعمان.

هذه يد الموت القادرة تتناول نفس ( أبونا عبده ) وتثنّي بنفس صديقه عبدالله هادي سبيت. علينا أن نعظم ضوءَ نارهم "فوليٌّ لا تُبقَر له بطونُ المجاذيب ولا تُقرَع له صدورُ العجاوز يعيشُ بلا شأن في عالم الإيمان" ،(فالشيخ ملاّب) صاحب (مقيبرة)، مثلاً ، لا زبائن له بعد موت ( الحجة حاكمة)، ويكاد لم يسمع به جيرانه آل عياض ..

سافر آخرُ أميريٍّ يأكل المرار ... طاب يازين السمر-غلاف

بحث الأول عن ملك أبيه الضائع ، ومات دون أن يظفر به .. وقضى الأميري الثاني نصف عمره بحثاً عن (بستان الحبيل) فلم يلوِ على شيء ، ومات محسوراً .. كصاحبه سبيت عاش بالمرّ نشواناً ، يجابه البغض بالمحبة ، سلاحه ضد الحدثان إيمانٌ متين : " ديني وإيماني سلاحي وصواريخي المضاد".

    يا خَميد الدّجر يا لَحج الخضيرة

" فتش شيوخ الأدب عن السعادة في ثنايا جلباب الدهور فلم يجدون سوى صدى أشباحهم جاثمة على جبهة الوعر. ولكم هو رهيب أن تصبح أشباح النوابغ رمماَ بالية ، يضحك منها الغباء ويهزأ بها ويؤدب (المتشردين). هذا هو لقب نوابغ الأرض في مملكة العدم" – صدق مارون عبود.

نشدَ الناس السعادة فحسبها بعضهم في اكتناز المال ، واعتقدها بعض الشعراء في العاطفة كما عبّر سيد الشعراء الحضرموتيين :

        حَبّوا المال ، والمال فـانِ /  كَثّـــروا  فيــه بالمـَرجلَه

        وانْ سألتم علـى رأسمالي / عاطفة نحو زين الخدود

وكان شاعرنا من أهل العاطفة ، اعتقد أن السعادة في ثياب الغواني ، فصال في الخدور ، وجال في القصور ، وصاحب القامور ..

في الحوافي غير حافِ / سار نظّام القوافي / وسْط تعكير النوافي ، وله مع كل خميرةٍ قصة ، وله عند كل خَـبـزَةٍ خَبر.

سرى "على راس الحنش يدعس ونابه".. يرْقِي سعاد ، ويجمِّش أسماء ، ويطلب المغفرة (لفانوسة) ..

كان مبتغى الجميلات ، كنَّ يطلبنه ويخطبن ودّه ويأمِّرنه على قلوبهنّ .. وهو كريم في حبّه ، سخيُّ في عطائه: منهنّ من تستحق حبّه ، ومنهنّ مَن يستحق "حبها" :

        المالْ والمكسبْ / والروح يا أشنبْ / فداكْ لا تتعبْ / ما شانْ حزنانْ ؟

نعم ، إنه لحجيٌّ قح ، كل مقصده أن يرى محبوبه هانئاً ، سالياً ، طرباناً ، سالماً إلا من الهوى:

        دمت ياورش هاني / وكل شي فانِ / وباك يا غاني / سالي وطـربان

        بشقــــــى  وبتكبّــــد / لما قدك تسعد / وتبلغ المقصد / يكون ما كان

متى عنّ المحبوب للشاعر اللحجي ، أو سرى منه هبوب ، ذهب همّه ، وتبدّد حزنه وضيقه ، وطاب خاطره ؛ يقول الأمير الرصّاص علي بن احمد فضل:

        نسنس نسيـم الأحبــــة من بعــــــد ما نامـت الناس /  كنّـــس غثا القلب كنّاس

        وامسى من الهم سالي ، سالي كما حاســـي الكاس /  نشوان من حرّكه ناس

في مفهوم شاعرنا أن الحب يوحد القلوب ؛ والحب كالموت يساوي بين منجل الفلاح وتاج الملك، فليس أمام الحب عبداَ ولا أميراَ. في سوح العشق وحِلّ ساعته تحوّل الأمير أحمد فضل إلى (حَمَل)، أدنى ظهره و"شلّ المحبوب على عاتقه"، وباراه ابن عمه في الدنوّ والتواضع فقلّد المحبوب " نشان الساق" في ساقه:

        وعــد اللقاء بيننا في ساعة التّشريق /  لو با يقع له يصفّق لي من الطاقه

        يهل الهوى  والمحبة  كثّروا التصفيق /  بفعل لخلّي نشان الساق في ساقه

(أبونا عبدوه) شاعر غنائي غزلي ، جُلّ نظمه في النسوان. والغزل كما يقول شيخ النقاد " ليس في معانيه الطريفة ، ولا في لغته اليابسة. الغزل ملاكه عاطفة متّقدة يسعرها الحرمان ، ويُذكيها التحرّق ويُعَبّر عنها بكلام بسيط بسّام غير جهم". قلتُ فأما الحرمان والكبت الذي يرهف حساسية الشعراء فما ذاق منه أميرنا سوى قليل. كان وصاله متواصلاً فخلا شعره من العاطفة المشبوبة. كان الهوى زاده وزوّاده. كان يغترف من بحر الغرام بالتنك إذا عزّ وجود الدلو. إن الحبّ ، عند العبدلي ــ في ذاك القليل الذي ذاق ــ نارٌ آكلة. زعم الأطباء أن القبلة تذهب بدقيقة من العمر ، وأزعم أنّ أبينا عبده قد كان يشترى الواحدة بشهر إذا وافقت الخميس يوم يحمى الوطيس :

       أذبت شدّة  لوعـتي  بالضم واللثم العديـد /  في وجه أبلج  حينما لاقيـت إيـداً فوق إيـد

       قبلات فيها نـار من جـوفي مُذيـبة للحديد / أودعتها خـد الوِرِشْ وأصبحت نـاري خميد

الله ، الله !!! يا خَميد الدّجر يا لَحج الخضيرة ....

وأما لغته فباسمة ضاحكة لا جهامة فيها ولا عبوس ، بل إنك لَترى فيها الروح اللحجية بخفتها ومرحها ، ببساطتها وعنفوانها شاخصة في سطوره ناطقة :

    ليـتني با القاك سـاعة في السمر /  والنبي يـازين خـاور لك خَوَر

   حَبّكم قلبي حقيق / صرت في حُبّك غريق / يا جميلاً كن رفيق

   خاف من ربي ــ واصل المَسبي ــ اعتنق حبّك وهام 

ليت مرّة تجود

الشاعر الأمير عبده عبدالكريمنلمس حرارة العاطفة في قصائد معدودات نظمها في مرحلة شبابه ، فيها نشعر بتحرّق ولوعة.. كذلك نلمسها في أغانيه التي نظمها في ديار الغربة. هناك بلغ الشوق قرارة نفسه ؛ فسالت أشواقه دفوراً شقّقت أعبار الغرام كما في غنائيته "سرى الهوى ".

بدأ الظلامُ، وخَبَطَ السحابُ بعضَهُ فوق هامة الشاعر فاستحال فالجاً برؤوس ثلاثة : العود والنينوه وعياض.. في ليل الغربة يجتاح الشاعر شوق لبلدته ، وينسكب سيلاً على "رأس الفؤاد" ، وتتراكم أشجانه، وتتزاحم هواجسه ، ويغدو قلبه المُضنى بالحنين قطعةَ أرضٍ زراعية، ويحلّ رأسُ الفؤاد محلَّ (فالج) ، يفيض شوقه المتدفق ليروي (رواد القلب) ؛ وتشتعل في "الكِبَاد" ــ على الجمع ــ  نارٌ ضرام في معادلة عجيبة يعلن فيها الحنينُ والهوى الجهادَ على صبر صاحبهما ؛ على المنفي مَن لم يعد يقوى على كبت أشواقه:

سرى الهوى ركّب عَشِيْ يمطر على راس الفؤاد /  وسـال سيل الشوق سقّى طين قلـبي والرواد

وهيّج الخـــــاطر ، وشبّت نـــار في  وسْطِ الكِباد / حنين قلبي والهـوى أعلـن على صبري الجهاد

تلبّدت في أفق شاعرنا الهموم سحباً ماطرة واعدة بالخير والخصب لقلبه المحل. وهي صورة فريدة لم بفطن لمثلها الشاعر الجاهلي. فليل النابغة مثلاً "بطيء الكواكب" يردّ عليه همومه التي نسيها بالنهار ويضاعفها :

               وصدرٍ أراحَ الليلُ عازِبَ همّه  /  تضاعفَ فيه الهمُّ من كلِّ جانبِ

هنا الهموم كالذئاب تأتي جماعات وتطبق على نفس الشاعر من النواحي جميعاً، وغدا ليل/همّ الشاعر يأساً "ليس بمنقضٍ". أما أميرنا فيحلّ عليه الليل وتحاصره الغربة وتتراكم الهموم على قلبه كالسحاب لا كالذئاب، وينزل مطر الهوى على نار الشوق فيذكيها ويسيران معاً (الماء والنار) يشيّعهما نغمٌ متآلف شكّلته أحرف اللين والمد ، فأبرزت هذه الموسيقى الداخلية المعنى ، وكان النغم في الحروف قبل أن يكون في الوتر. بلى ، لقد حملت القصيدة لحنها في أحشائها فنظمُها يسير على إيقاع المركّح في مياه بحر (الرجز) :

سَرَلْهَوَى / رَككبْ عَشِيْ / يُمْطِرْ عَلَىْ / رَاْسِلْ فُؤَاْدْ

في هذه القصيدة نجد شاعراً مطبوعاً يدرك أسرار اللغة فيُخْرج منها الأصوات التي يريدها ، كما أفلح كل الفلاح في اختيار الروي والقافية ، وكان موفقاً في تسكين القافية فضاعف همّه وشوقه بعد تنفيس . غاب التشبيه وتألقت الاستعارة ، وسار الحزن صادقاً في كل بيت وبلغ ذروته في مناجاة الشاعر لدهره :

        قسيت يا وقتي كثير ، وزاد فحْسَك والعِناد /  تنذرْ وتتوَعَّد تقوُل لي: يا أدادك بالأَداد

إنّ هذه القصيدة واحدة من وثبات الأمير القليلة والوثبات هي التي تعمل الشاعر الكبير؛ الشاعر الذي يرى في الأشياء أشياء غيرها.

*    *    *

مع الشاعر الأمير عبدالحميد أبو عبدالمجيد واحد من أعمدة الأغنية اللحجية في دورها الثاني. في أغنيته ( إن خلف لي الخل وعدا) فتحٌ غنائي جديد. هي مساهمة جادة في مضمار الطرب العربي الفصيح، تجلّت فيها ملَكَةُ الأمير كشاعر وملحن معاً. لقد استولى (أبو فاطمة) على المقام الأول في العامي ، وطرق (أبو جحوش) باب الفصيح أيضاً ـ وجميلٌ هو الشعر وعذب هو الطرب متى جاء من عُبيدليت ..

عاش أبو عبدالمجيد ومات رجلاً عزيزاً ، لم يتخل عنه عنفوانه ..

عاش زهير ثمانين حولاً وسأم ، وضاق لبيد من "سؤال هذا الناس كيفَ لبيدُ"، أما هذا العبدلي فقد جاوزهما بخمسٍ ؛ وكان محباً للحياة، مقبِلاً عليها ، مُحِبّاً للآخرة لا يقطع منها سبباً ، وبقيَ طريّاً حتى ليلة زاره عزرائيل ، ومات بشيبةٍ صالحة ، وبشيخوخة حلوة إذ ظلّ العقل في الرأس. سافر آخرُ أميريٍّ يأكل المرار ، بيد أنه لم يرهن درعه عند السموءل .. ■

 

كلمة ألقيت بمقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بحوطة لحج ، ثم نشرت بجريدة (الأيام) العدد (5149) السنة 26 في 19/20 يوليو 2007

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( سرى الهوى ) كلمات ولحن: الأمير عبدوه عبد الكريم، غناء: علوي فيصل علوي

المقام: حجاز على درجة النوى مع فاصل طنيني بأعلاه، الإيقاع: مركّح لحجي 4/4 هاجر+ 2 مرواس

imageأغنية ( إن خلف لي الخل وعدا) كلمات ولحن: الأمير عبدوه عبد الكريم، غناء: عبدالكريم توفيق 

المقام: الراست مروراً بجنس بياتي ، الإيقاع: مركّح لحجي 6/8 هاجر+ 2 مرواس

                 التدوين الموسيقي: عبدالقادر قائد اللحجي

15‏/2‏/2013

سالم عزيز .. أمير الكلام

سالم عبدالعزيز6

 

سالم عبدالعزيزفجعت جامعة عدن بموت جمهرة من خيرة أعلامها. ففي عام واحد وارى الموت خمسة وجوه: الأستاذ  عبدالله باوزير، والدكتور سعيد عبدالخير النوبان ، والدكتور صالح نصر، والحبيب الدكتور حسن بن حامد الحداد ، وهذا الأستاذ سالم محمد عبدالعزيز يلتحق بالقافلة المجيدة ليلاقي إخوته في الجنة حيث الخالدين الأطهار. 

نشأ سالم عزيز – كما نناديه نحن أهل الإنكليزية ـ في المكلا نشأة سلطانية.. وما ورد سالم عزيز الهند إلا أميراً أو كالأمير ، كما خبرنا أهل حيدر آباد. عاش حرّاً أصيلاً عزيزاً، متبوعاً لا تابعاً، وقد كنت أنشدُّ لعنفوانه ، وأنشدِهُ لحلو خطراته ، وازعم أن سالم، على عكس أبي تمام، قد استمتع بخاطره.

كان سالم عزيز ذكياً متفرّداً ، وكبُر متحرراً في تفكيره ، وفي تعبيره ، وفي طريقة تعليمه. كوّنت الجامعة اللبنانية شخصيته الأكاديمية، وفتّحت مداركه على المعارف الإنسانية ، وساعدته اللغة الإنكليزية على ولوج آفاق إنسانية رحبة غنية.  سالم عزيز

خصَّ الدهرُ بالحكمة أهل الهند وبني يمن، فاستقى سالم الحكمة من المنبعين. وكان "حكيم حافون" ، كما  دعاه رفيقه الدكتور الظفاري ، غزيراً ودقيقاً. هو من محبّي الحقيقة. حاول استنطاق الحياة وفحص معاني أشيائها على طريقته. تفلسف وسكب خبرته بالإنكليزية في ديوان أسماه: (200Close Couplets)  . كان سالم مستنيراً، يكره الظلام، وقد جاء قبل أوانه ، لذلك لما عاد من بيروت يحمل الشهادة الجامعية اشتغل في ما له علاقة بالنور: مديراً للكهرباء في عدن ، ثم محاضراً ، وهو فوق ذلك شاعر، وغاية الشاعر التنوير.

ومن سمات سالم عبدالعزيز أنه قليل الكلام ، يؤشر نحو الشيء دون أن يلجه ، مفترضاً أن يكون محدثه أو المستمع إليه فطناً لبيباً ، إن لم يكن ندّاً. نفسه طيبة رضيّة وخاصة مع المجتهدين من طلابه. ما كان – رحمه الله – يمنع عن طلابه شيئاً؛ لا يخفي فكرة، ولا يخبي كتاباً طالما أحس بجديّة طالبه.الأساتذة عبدان وفاضل والدكتور بلال 

كان (أخو خالد) مرجعاً ثقيلاً، وهو يشكل مع الأساتذة : (الدكتور الظفاري وعبدالله فاضل وأحمد الجابري والدكتور بلال وسيدي حامد جامع) أقطاب المعرفة في عدن. وحين نضع هؤلاء الستة في الميزان يكون سواهم كأبي جرير في ميزان الأخطل.

لم أجد لأستاذي في الحضرموتيين شبيهاً ، ولا لمستُ (لآل بازهير) فيه من أثر بيّن عدا مغالاته في حضرميته. وقد كنت أراه جميلاً حتى في تعصبه. كان عكف في آخر أيامه لإعداد كتاب عن الفلكلور الحضرمي ، وإني أسمعه في آخر زيارتنا له أنا وصديقي علي سالمين، وهو يحدثنا ويغني متلذذاً: ( رمضان جاء يا حيّا به / حامل عشاء في جرابه) ـــــ  رحم الله (حمدانه). صديقي علي سالمين مع مدير الضيافة بحيدرآباد ـالهند

إنّ لسالم عزيز فضل تأسيس قسم اللغة الإنكليزية بكلية التربية/عدن ومركز الدراسات والترجمة، وله فضل ربط قسمنا بأهم وأكبر معاهد الهند (معهد سيفل - CIEFL) بحيدرآباد. له فضل تعليمنا، وتأهيلنا – والفضلُ يعرفه ذووه. علمونا أن الأستاذ مقدّم على الوالد، فكيف وقد كان سالم أستاذنا والأبا.

ولأستاذنا – رحمة الله عليه – فضل السبق في كونه أول عربي يصدر ديواناً باللغة الإنكليزية ، وقد كان فخوراً بذلك، كما كان يفاخر بكتابته اسمه على جدار المشاهير بايطاليا. وله ديوان شعر بالعربية محفوظة نسخة منه بمكتبة السيفل بالهند ، وسالم بالإنكليزية أشعر منه بالعربية.

كان سالم عزيز عصرياً متحرراً ، فتح باب التفكير الحر لطلابه ، وهو واحد من نوابغنا الذين نفخر بهم، وعناصره في الأدب والتربية حيّة لا تموت. 

.. وسالم بن محمد شاهدي الشاعر أمير الذوق كتاب تأبين سالم عزيز

ولا با نقطع (الشِّتـرة)

(لدار الطار) بي قُمرة

و(للحسّيب) كم بي شوق

وسالم عِدل له مقدار في الحضرة

وسالم هوْ ابونا، نورنا والنار والفكرة

وسالم يا جماعة ، خبّروا كل الجماعة ، فوق

وسالم مثل ضوّ الفجر إن غنّى سالم عبدالعزيز4

وسالم مثل طعم الصدق في المعنى

وسالم ... مَن كما سالم؟!

حبيب الحرف والأستاذ والعالم

يرحم ربنا سالم

 

ـــــــــــــــــــــــــــ 

  نشرت بصحيفة 14 اكتوبر العدد (13173) في 17/9/2005م ، ثم نشرت بكتاب تأبينه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageدان ( يا صفوة الناس ) كلمات: عارف كرامة ، اللحن: دان لحجي ، غناء: سعيد سيلان

imageأغنية ( عاد الهوى عاد ) كلمات ولحن: السيد حسين المحضار ، غناء: عبود زين

4‏/11‏/2012

في رثاء الدكتور الظفاري

عرف الخزامى ـ الظفاريالدكتور جعفر عبده صالح الظفاري (1935 ــ 2009) . ولد في حي حافون بالمعلا ــ عدن. درس الإبتدائية والمتوسطة وأنهى الثانوية بكلية عدن عام 1956 ونال شهادة الـ (G.C.E).ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت عام 1956م وتخرج منها حاملاً إجازة البكالوريوس في الأدب العربي، فضلاً عن دبلوم في التربية عام 1960. عاد إلى عدن وعمل مدرساً للأدب العربي والدين الإسلامي. في العام 1961 التحق بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن لمدة 5 سنوات متصلة ونال إجازة دكتوراه في الفلسفة في الثقافة الإسلامية عام 1966. عاد بعدها إلى عدن وعمل ضابط معارف للنشر “publication Officer” في وزارة المعارف الاتحادية بين عامي 1966 و1967. كان عميد أول كلية جامعية في اليمن في الفترة بين 1974 و1976، ثم نائباً لرئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية من عام 1976 وحتى عام 1982. وفي الفترة بين عامي 1982 و1985 عمل خبيراً لليونسكو في اللغة العربية والدين الإسلامي بمدارس الـ UNRWA في كل من سوريا والأردن ولبنان وفلسطين، وعين منذ 1986 مدير مركز البحوث والدراسات اليمنية في جامعة عدن. وكان رئيس هيئة تحرير مجلة "اليمن" الصادرة عن المركز. له كتاب: عرف الخزامي (دراسات في التاريخ اليمني). توفي في عدن في 12 يوليو2009م ودفن بها..

وهذه أبيات من مرثية نظمها الشاعر كريم الحنكي "كأنّك خِضْر الأرض":

د. جعفر الظفاري

كريم الحنكي2هو المشرَعُ العـذب الذي كـم تزاحمت  *   علــى مائه أرواحُـنــــــا تتنضّــرُ

وكعبة عشــاق اللبّـــــــاب ، ومرتقــىً  *   يتمُّ به مغـزى الجمــــال ، ومعبرُ

حنـــانيك يـا ركــبَ الرحيــــــلِ ،  فإنما  *  مَشيتَ علــــى ذاتـــي التـي تتفطّرُ

ويا حــاملينَ النعشِ:  مهــلاً ، فإنــكمْ  *  حملتمُ روحي! أم ترى الروحُ تُقبَرُ

حملتمْ عفافَ الأرضِ في هيكلِ امرئٍ  *  يضمُّ معـــاني الثغرِ ، والثغـرُ يفغرُ

خُــــلاصةَ أعنــابِ العصـــورِ تقطّـرَت  *   بها عـــدنٌ عـن خيـرِ مَن نتصـوَّرُ

حامد جامع يودع الظفاري2

ـــــــــــــــــــــــــــــــ