شريط

23‏/10‏/2012

عن الأغنية اللحجية

الندوة اللحجية3

مرّت الأغنية اللحجية بأربعة أدوار. كان الدور الاول على يد المطربين اللحوج الأول كفضل ماطر بجبل عقربي المتوفي عام 1333 هجرية/ 1915م. وهو ملحن ومغني لحجي معروف. كان في شباب القمندان شيخاً مسنّاً ، وكان مهتماً بالتراث اللحجي ومسهماً في تطويره. من إسهاماته أنه أضاف كلمات إلى أغنية (شراحي) وأضفى على لحنها خفّة وبهجة. ومن ألحانه: (يا مرجبا بالهاشمي) و(صابر على عهدي وباموت) اللتين بنى على لحنيهما الأمير القمندان.  وغني من شعر العيدروس ومن لحنه (عليك بالله تكلمني) وسجلت على أسطوانات (بولزن) ، وغنى (على الحسيني سلام)، (يا شهر يا سامر الليلة متى با تغيب)، (ليل يا ذي الغوافي) و (أسرى نصيف الليل من غير عزيمة.. يا سيمبوه).

القمندان2 (2)وكان الدور الثاني على يد القمندان وتخته. جمع القمندان رقصات وألحان لحج ونظم على وزنها أغان غاية في الإطراب ، وصاغ منها عقداً خلاباً غاية في الامتاع. كتب الشعر العامي وأختص في فن الغناء وألف فيه ديوان: (الأغاني اللحجية) الذي وسعه في طبعته الثانية وأسماه: (المصدر المفيد في غناء لحج الجديد). تسلل القمندان إلى قلوب الناس واحتل وجدانهم إذ وجدوا في أغانيه تعبيراً عن مشاعرهم وما تلتهب به أفئدتهم من لواعج الغرام.، خاصة وقد غلبت على شعر الأمير بساطة المزارع وفرحة الفلاح ؛ فالأرض والزرع والخضرة والريحان هي غاية متعته، بل كانت المرأة وسيلته للتمتع بالفاكهة والرياحين أو مكملاً ضرورياً لذلك.

مطرب لحج الكبير فضل  محمد اللحجيوحافظ مطرب لحج الأول فضل محمد اللحجي على اللحن القومنداني بأصالته وعنفوانه ، وكان أن بذر في أخر حياته لمدرسة لحنية جديدة تختلف إلى حدٍّ عن القصيدة واللحن القمنداني بإعتبارهما امتداداً للموروث النغمي الشعبي في لحج ؛ فظهرت كلمات لشعراء كبار مثل (و(بانجناه) لعبدالله هادي سبيت و(سقى الله روضة الخلان) و(يا ضارب الرمل) لصالح فقيه ، و(طاب يازين السمر) للأمير عبدالحميد عبدالكريم، و(أخاف) و(قضيت العمر) لصالح نصيب، و(هجرتني) لمهدي علي حمدون. ولقد برز فضل كأول موسيقار للأغنية اللحجية في ألحانه وعزفه وأدائه والتزامه.

الشاعر عبداله هاديواستقام الدور التجديدي الثاني على شعر ولحن خليفة القمندان عبدالله هادي سبيت في أغانيه المشهورة: (يا باهي الجبين)، (القمر كم با يذكرني)، (يا بوي أنا يا بوي) ، (والله ما فرقته)، (بانجناه)وغيرها، وكاد سبيت أن يشكل مدرسة مستقلة. كذلك استقام هذا الدورعلى ألحان المبدعين صلاح ناصر كرد ومحمد سعد صنعاني وسعودي أحمد صالح تفاحة الذين وضعوا ألحاناً أكثر معاصرة للطرب العربي واقتباساً منه ، وعلى ألحان الأمير عبدوه عبدالكريم في (إن خلف لي الخل وعدا) ، وعلى كلمات شعراء جدد كعبدالله باجهل وعوض كريشه وصالح نصيب ، وأصوات جديدة لابن حمدون وتوفيق والكريدي وحنبلة ومهدي درويش وفيصل علوي. وكانت ألحان صلاح كرد ومحمد سعد صنعاني وسعودي تفاحة غاية في الروعة والإطراب كما في أغنية (لوعتي).

المطرب فيصل علوي سعدأما الدور الثالث فيكاد من حيث الأداء أن ينسب جله لمطرب لحج الكبير فيصل علوي سعد ، فلهذا المطرب اليد الطولى في نشر الأغنية اللحجية الى أصقاع شتى. وقد خرج هذا المطرب من معطف الندوة اللحجية بعد سنوات من التمرين والأداء المتميز صغيراً. فنشأ مطرباً مصفّى يجمع في صوته وفي أدائه وفي عزفه ريح لحج العاطر وطعمها الحالي. لقد استطاع ذلك الفقير القادم من (شقعة) لحج أن يبني لنفسه مجداً ، وأن يحفر اسمه في الوجدان الشعبي بجده واجتهاده ، وما كان خاله تاجراً ولا لَقي من يدعمه لتحمل نفقات استئجار فرق موسيقية عربية لتعزف معه. استطاع بعوده وبصوته وبإيقاع العازف الكبير فضل ميزر لا غير أن يحتل الموقع الأول على الساحة الغنائية في كل الجزيرة العربية ، مكتسحاً كل ما أعترض طريقه من عوائق طبيعية ومصطنعة. بصوته الجهوري المجلجل العذب ، وبعزفه المتقن البديع ، وبتقاسيمه الرائعه نشر إبن علوي سعد اللون الغنائي اللحجي إلى أصقاع المسكونة حتى غدا للأغنية اللحجية كالماركة المسجلة. كانت الأغنية اللحجية مبعثرة في كل واد وعُبر ، فلما جاء القومندان لمّ شملها وأجلسها في بيت الإمارة والسلطان ، وتعهدها معه وبعده الموسيقار فضل اللحجي واستلمها بعدهما فيصل علوي فأشاعها بصوته الآسر وعوده الجميل حتى غدت على كل لسان.

المطرب عبود زينوتدخل الأغنية اللحجية اليوم دورها الرابع مستندة على صوت وريشة المطرب المتفرد عبود زين خواجة الذي لم يختلف في تنشئته عن سابقيه ، تدخل دوراً جديداً أكثر صقلاً ، وأكمل أداء ، وأعذب طرباً وأسراً. وهو للّون اللحجي مرجع توثيقي حقيقي ؛ وله قدرة عجيبة على الاطراب على كل الايقاعات والمقامات والألوان اليمنية ، حيث يتحول معه التقليد من صناعة الى ابداع ، وبذلك شهد له قبلنا الشاعر حسين أبوبكر المحضار والشاعر المطرب محمد سعد عبدالله رحمهما الله.

سعودي والدميحعبود هو ثمرة للامتداد الغنائي اللحجي ، ونتاج لتراكم غنائي ضارب في القدم. نعم قد جاء الخواجه ليجد الأغنية اللحجية ناضجة مستوفاة من نواحي الأصول ولكنه لم يكتف بإتقان هذه الأصول المعتمدة والتحسين في الجوانب الجزئية منها بل هو تعدى ذلك بحكم ما تفرد به. فيه اجتمعت ميزات لم تجتمع في مطرب قبله، أولاها اتساع ميدان الغناء عنده بتعدد ألوانه وإيقاعاته وأصواته ، وثانيها قدرته على أداء الدان اللحجي الأصيل "وبكسرات" تماثل دانها مبنى ومعنى وإطراباً ، أما ميزته الثالثة فهي امتلاكه لعين الناقد الشعري وباعتباره مؤدّ عارف للنوتة ومغني صحيح النطق وعازف بدّاع.

إن كانت الأغنية اللحجية قد استقامت في دانها (وا طير) على شجى مقام (حسيني عشيران) ، وانتزعت صورها الشعرية من (الحسيني) البستان ، فإنها اليوم تستوحي صورها من الواديين الكبير والصغير (ابني تُبَن) ، وتبني ألحانها الحالية على مقام (الرَّواد) المتجدد.

ــــــــــــــــ

* نشرت في جريدة (الثقافية) العدد (152) في 25/7/2002م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( يا ورد يا كاذي ) كلمات ولحن: الأمير القمندان، غناء: عبود زين

imageأغنية ( هجرتني ) كلمات: مهدي حمدون ، لحن وغناء: فضل محمد اللحجي