وولدَ (تُبَن) فالج (Paleg) وولدَ فالج ثلاثة (رؤوس): عياض والعود والنينوه
بيت عياض هي بنت فالج .. هي عروس الوادي الكبير
وعياض في معاني الأسماء: كثير البذل والعطاء ..
في صلاة استسقاء بديعة توارثوها من عصور بعيدة ، كان أهلنا يخرجون إلى رأس وادي فالج (Paleg) حاملين البيض والتمور والثيران قرابين لربة الوادي يغنون:
ــ عنقودة ، وا أم سالم!
ــ أم سالم ماتت
ــ الكورس: يولوووه
ــ ماتت ولا درينا / وإنْ كان درينا جينا / با نذبّح تبعان / .. ــ يولوووه
ويعودون إلى بيوتهم وماؤهم خلفهم ، لقد جبر الرحمن تلك القلوب الظامئة الطاهرة وباركها ماءً حياة ..
وإذا أرخت السماء وفاض السيل وخرّب أعبارهم تنادى أهل بيت عياض بالشعر وبالرجال وهبّوا إلى رأس فالج مردّدين بعد مغني الدان عبدالله سرور قول شاعرهم صالح علي عون:
ردّ بالـدان واذي عـــاد قلبـــك سَلِـي * بن عون ما يسمــع الداعي ولا يستجيبه
شـدّدون المُنيبة واقرنــــــون البقــر * (فـالج) تخـرّب علينا من أمــاكن صعيبة
في القلب بَبْني لخلّي دار عالي حجر * وصاحب الدار ما هوْ مثل مولى الزريبة
قدمت إلى بيت عياض قوافل من أهـل (الآل) عامرةً بالخير والشعر والخبرة الزراعية: جاء إليها من بلاد قتبان من بيحان (آل ربيع الشُّرَيْفي) ومنهم الحاج علي نصيب ربيع راوية الشعر في قريتي ، وحفـر أهل ( تمنة ) في لحج الآبار ، وزرَّعوا الثمار .. وتبعتهم من أرض العوالق العليا ومن (نقب الحجر) ومن (صعيد شبوة ) قوافل من الباءات والقافات : باديان وبامسلّي وباداس وبارعيدة وبازهير وباقشم وقطش وباقب ، ورجال خير آخرين .. وكان علـى رأس أهل الصَّعِيد جدّي لأمي: الشيخ أحمد بن علي بن عبدالله بامعلّم "باحناشر" ــ آكل المرار، الباقر بطنه ترحيباَ بباقميقم المتنبي الصاعد من قوارير السليط:
باقميقم ساها وسوّاها * يدّعي الشارة وهوْ عصّار
وما كان لقافلة أن تسير من دون حاديهـا ، فكان ( علي أحـمد باحاشرة ) هو شاعر القافلة وحادي الخير.
واستقبل الشيخ (عبدالله بـهايس عياض) ضيوفه وأكرمهم ، وما تَمَنَّعَ أو تحَكَّـك فقطنوا (نوبـة عِياض) ، جيراناً للحاج سعيد الحضرمي الذي كان قد سبقهم إليها، و خِلاّناً لـ(المِسْهَري) الحوشبي، ومن هناك قال شاعر القافلة :
حَلَّيْتْ في (النُّوبَهْ) طيَانِ (الْمِسْهَريْ) * واْنَا قَسِيْم الذّيبْ ذيْ يِمْسِيْ يحـوُسْ
زاد الخير وفاض وذاقت جيبوتي من خضار بيت عياض، وكاد أهلنا يتخصّصون في الخضار حدّ أن ضجّ الشاعر محسن بن سالم حسن عياض فقال:
كثرتْ علينا دسوت الصيد والخضرة * والحَب غالي زبون الاثنين في نص كِدْرهْ
وهذا بحاشرة يشبّـه المتخاصمين من أهل بلدته بيت عياض بخضارها الزراعية، ويعيب عليهم الخروج عن جادة السبيل وافتقارهم للتمييز في علاج حيوانات الزرع :
جبنا الزّميطيّـهْ و جبنا الباميـه * يا خيرْ من شجرهْ بيصْلح للخُصَـارْ
أهـل البلد ما بِعرفـون الجاديَـه * لا قـد ضَلَعْ بالثورْ يكوونْ الحمـارْ
لقد عشق أهل قريتي الفلاحة والزراعة وأخلصوا للأرض وارتضوا بما جادت به إن قليلاً أو كثيراً – وعملُ الفلاحة لا يخلّف تجاراً. هذا ما استخلصه شاعـرهم فتركها حكمـة مدويـة ظل ( الحاج حسن حزام ) يتمثّل بها ويُسْمِعْنَا إيّاها في كلّ حين في سوق القرية:
الفــــائدة ذي معي قرنــي من البسباس
خُصَارنا بامية والبقل فوق الغداء راس
لا (بامسلّي) تَجَـــرْ فيهـــا ولا (بـاداسْ)
لقد رقّق الماء أخلاق القوم ، وصاغ الزرع وجدانهم فكان في بساطتهم عنفوان، وفي معيشتهم قناعة ورضا، وحتى في مزاحهم محبّة ظاهرة. هذان علي نصيب والجُبَري يمازحان المزارع يسلم باقشم الذي تعرضت بضاعته (الكزبرة) لكساد وينظمان بلهجته البدوية :
يا اهل المَكينْ أنتونْ يهل المعرفة * يا ذي تزنقلتوا ع (يسلم باقشـم)
لا يعرف البُرمة ولا ذيــك الصغار * مــلّا معــه شفره يقطّـب له لَخَـمْ
الكبــــــــــزرة خمستعشــــر منّهــا * حقيق يا عيلـــــه يصفّـرها قلــم؟
شِفتْ السَّحُوْلي ذي شَرَدْ من بيننا * حقيـقْ يا عَيْلَـه قـــــده يعبــد صنم
يـا ربْ تبلِّغْـنيْ نــــزورالمصطفى * باسِيْرْ في مكة وبسـْعَى في الحرمْ
وبرجـمْ الشيطاـنْ بالجَمْـرِالكُبَـار * بَدعَسْ أبوه دَعْسَه وبَدْحَـقْ بالدَّرَم
قدّمت بيت عياض للحج أكبر خبير زراعي فكان مفخرة القمندان في كتابه (هدية الزمن). وقدمت للحج أحد قادة شرطتها في عهد السلطنة العبدلية ، وقدمت التربوي والإذاعي الكبير (عثمان عبده عون) الذي بإسمه سُميّت المدرسة الثانوية بمدينة الشيخ عثمان، والطيار حامد عبد والمحامي خالد عياض .. ومنها الشيخ عبد الله بن سعيد عبادي اللحجي مفتي الشافعية بمكة المكرمة (وهو أخ صالح ومحمد الفقيه المهاجرين بتنزانيا).
وتعد قريتي مركزاً لعدة قرى حولها، وعبرها تمر طرقهم : مُقيبرة ، ساكن ربيع، عُبَر الأسلوم ، جول اليماني، الشظيف والنوبة.. وبيت الهرّاني وفي مدرستها الإبتدائية تعلمنا جميعاً. ومن هذه المدرسة تخرج معلمون أعلام كثر كخضر أحمد الحاج وفضل وعبدالله محمد صالح عون ويحيى شائف، وخرج آخرون ينشرون النور في لحج وعدن ويافع والضالع ، وشكّل آخرون اللبنة الأساسية في مستشفى لحج الفتي وقتذاك.
آسيا البندر
تزهو الأرض بالغلال والثمار والخضار، وتلبس الأخضرَ القلوبُ والأجساد؛ والسيل يشق طريقه عبر سوق القرية المنظم فترى الرجال يشربون الشاي على كراسي من خشب وضعت على حواف (عُبر الدكاكين) في منظر مدهش ما حمل القمندان أن أطلق عليها لقب (آسيا الصغرى). فنظم صالح الجابري:
بيت عياض آسيا رجعت كما البندر* والراديو في العُبَر لا انته مكذِّبْ تِخَبَّرْ
هي بلدة عبدالله بهايس عياض ومحفوظ حسن عياض وأحمد عوض عياض والنّوَش وسالم عزيز عياض وعبيد العاقل عياض، ومحمدوه سعد ودباشي والفقيه سعيد عبادي وناجي سبيت والسيد عيدروس والشيخ اسماعيل الصوفي وعوض جابر وسالم عبدالرزاق وعبدالله شميلة وخضر أحمد الحاج والطيري وزين عبدالجبار ..
ولآل عياض في قريتنا القدح المعلى فإليهم تنتسب قريتنا وبهم تفتخر، وما تزال آثار دار جدهم الكبير (دار أحمد عوض) قائمة باطلالها وأساطيرها وحكايات الخزنات التي "تلاطم بالقروش" كما قال الشاعر العياضي بن سالم حسن مفاخراً:
جدي بنى لي دار والقى لي عُبَر * والقى لي الخزنة تلاطم بالقروش
وماتزال بيوتهم وأراضيهم الزراعية كطين المصباح وخلَفهم حاضراً ..
بيت عياض: هي بلدة العاقل (أبو عيشة) الرجل الجميل الذي ما انقطع عن أداء " صلاة الدوكي" على حسب تعبير فضل ناصر (الجيب)، والمزارع الحكيم يسلم باقشم صاحب القول المشهور:"والله لو ما الروس للقّت أمريكا في العرب فنقع" ، والأستاذ علي فضل عياض ومحمد سعيد عبيد دنّم ـــــ رحمة الله عليهم أجمعين.
هي قرية عوض عبود وقبيح والبشيري والعمودي ودرويش وزيف ومحمد سعد زغلول والمذلّق والطحس درين والسعسع والنمص وعبدنّه وعوض الصنّو ومُسَيَّب ..
هي ملجأ (المعصلي) و(العُطبي) صاحب العبارة المقذعة .. بسبب شقاوة الصبيان الذين كانوا صرخون أيضاً: (حمّد العابد ديس ميس)، و (وا سعيدوه جاك القُمري) القمري كان لقباً ليوسف اسماعيل رحمة الله عليهم أجمعين!
ولقريتنا دور مشهود في الشعر والطرب فكان منها شعراء عاميون مثال صالح علي عون ومحسن بن سالم حسن وعمر الجابري ومحمد ناجي الشاعري ، وشعراء الهاجل: باحاشرة والعابد ومحمد دباشي عياض وعوض محمد العمودي .. وكان منها مغنيا الدان عبدالله سرور وفضل عبدالرب ، ومنها طلع مطرب لحج الشهير محمد علي دباشي عياض، وأحمد فضل ناصر سعيّد وعارف ومراد سرور. وكما أطربنا الرجال، ماحت اللحجيات وتركّحنَ على إيقاعات سرورة .. وشع الليم حالي حالي
مسجدها عامر بذكر الله الواحد الصمد، والشيخ سعيد عبادي الفقيه فالشيخ إسماعيل الصوفي ينشران في أهلها النور والسرور، إمامين وقاضيين ومصلحين .. وفي أفراحنا للنبي الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه حضور مأثور تسجع به حنجرة فقيه القرية الهادئة (عبدالهادي إسماعيل) من مولد النبي للبرعي والديبعي:
ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة * تداوي كل ما بي من أمراض سقيمة
مرحبا يا نور عيني / مرحبا * مرحبا جدّي الحُسيني / مرحبا
ومنها الأولياء الصالحين: ولي الله (الأبجر ــ لَبْجَر)، والشيخة صفيّة ، وحضرة ولي الله العمودي صاحب غيدون ؛ ولمّا يزل أهلنا يتغنون في موالدهم:
عمودي يا عمودي عمـــــــود الدين غارة * أنا قلبي مولّـع يبأ رأس المنارة
عمودي يا عمودي عمودي ساعة الضيق* وانا قلبي مولّع يبأ بين السنابيق
بيت عياض موزاييك من بشر من تراب ؛ عدّوا العمل عبادة فأخلصوا للرب وللأرض فبارك صاحب السماء أرضَهُ ومَن وما عليها ، وجعل لهم (تُبَن) وادياً لا ينقطع خيره والحمد لله حمداً جزيلاً وافر.
* الصور المنشورة من البومي الخاص لأصدقائي أيام المدرسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغنية ( يالله بها خير ساعة ) كلمات ولحن: عبدالله هادي سبيت ، غناء: محمد علي الدباشي 42
أغنية (ياالله بالفرح دوب) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: أحمد فضل ناصر