أحمد هاتف .. سيّد المجاز
جمال السيد ـــ عدن
أحمد هاتف ، هتافٌ فريد من فضاء بعيد .. قلم في سوح المعرفة كأنه العيد حيث ترتدي المعاني كساء جديدْ ..
شاهد (الحسن) الشعراء قد أطالوا الوقوف قروناً على ( كِدام ) القصيدة فناشدهم الجلوس، وتجاوزهم ..
ذهب الحكميُّ ، وحافظ القوم على قعودهم يستجرون رسوم الأقدمين ومعانيهم .. وطالت القعدة، فأطل من العراق أيضاً (أبو الحسن)، عارف عراقي جريء آخر. هوذا يقلب النص ويأتي بضرب جديد يكسر النمطية التي ظل يستجرها القوم دهوراً .. شكلٌ ، لا هو الوقوف الطويل ولا الجلوس المديد بل هو الحركة والجرأة التي هي أم الإبداع ... لكأني ، وأنا أقرأ نصوصه ، أتنسّم أريج الحنّون النابت على حواف شط البصيرة ، وأطعم نديف الأخضر على روَاد البصرة ، وأكاد ألمس ريح المسرّه في نهر الوجع ...
تسيل مَلَكة ابن النهرين ناعمة وعلى صفحة فراتها ماءُ ذهبْ . يؤسّس الهاتف لضرب جديد من الشعر ابتدعته قريحته العارفة، ورفدَته بحلو البيان والبديع فجاء عذباً حلال .. عماده: خيالٌ مجنّح يحيل الأفكار صوراً عجيبة، وسباحةٌ في الإستعارة والمجاز، فتمسك المعانى بجوارح القارئ وتتمكن منه .. هنا النثر تِبر ضاربةٌ عروقه في النور ، وهنا الشعر نَثَارُ ذهبٍ منثور ..
يا "جالسة في ليل مكسور " ... يا " ضمني حتى تذوب ثيابي " ....
معاً في " لستِ معي " .. فمَن " للمعنى حين تجف الفكرة " .. ؟
على قارئ نصوص أبي الحسن أن يمتلك شقفة من حجَر المعرفة، وعليه قبل قراءة النص أن يحفَّ به من على ظهر البصيرة ثلاثَ مراتٍ ليُفتَحَ له ..
أنا اعتذر .. "طويلة لغتي لكن سقف معناها عالٍ تماماً " لذا يتوجب أن يمر شعرها الطري الطويل على رعشة قدمَي الفعل ليستقيم ... ليس هذا ما أردتُ أن آتي به .. " يدها غمامة بيضاء .. لا .. أقلب الغين حاء .. هكذا هي .. حمامة في افق آمن .. تدور .. تدور .. لأن طفلا بعيوني حلم طويلا بالتحليق "
إلى جمال النص وترفه وجِدّته وابتداعه أسلوباً في الكتابة جديد ، في نصوص أحمد هاتف عفّة وفي صوره عفاف ، يشيّعها على السطور وفي القلوب قلبٌ صدوق وخُلق سيّد شريف رضي :
أحبها ك "طفولةٍ لعِبتْ بماءٍ أزرق" .. ربما ك "أحبك حين يُطفأ الشغفُ ضوءَ منتصف الليل" أو ك "وسادة ضمت بعض طلاء عطر في منام رقيق"
عند هذا السيد ترى المعاني أشباه جمل على السطور متقابلة، وترى المنادى جملة فعلية هاتفية: "أعانقك حتى تؤذِنُ الغاية " حتى تبلغ المقصد. في كل "شائكة" و"قهوة باردة" وانتظارٍ راجفْ تلقاه سيداً من عترة المجاز، شريفاً في معانيه ، عفيفاً في تصويره ، عارفاً في ايماءاته ، ونبيل.
شغل جديد مبتدع، لا هو النثر الذي تلجمه النقطه، ولا هو الشعر الذي يحده القمر والكواكب المنظورة .. إنه شغل عراقي ضارب في الفهم والخيال والصناعة. إن شئنا كلمة مختصرة تناسب تعبير العصر قلنا: صنع في بيت هاتف.
الأمس الأول "معا برفقة بحر وصبيرة ودغدغة شتاء مبلول " ...
لستُ حشرجة في ثوب أسود .. ربما لستُ " أُحيطك فيلدُ الحقل ماء "
لكني "أبعد من هذا لا يشبهني" .. أكثر نأياً من طارِ في ارتجاف مريد"
مَنْ لي في "مَنْ لي " !
تساءل الشرقيُّ القطامي ماذا كان العرب يتلون على موتاهم في الجاهلية، فأجابه الأصمعي وآخرون كانوا عنده أنهم كانوا يقرأون الشعر ... ولسوف يُقال في قابل الزمان كان العارفون الأحياء من بعد السياب ونزار والجواهري والبردّوني يتسامرون بأشعار السعيد وديع وبزيع وأبي الحسن والدرجاني وجرمانوس وأقرانهم .
يا " ضمني حتى تذوب ثيابي "هذا هِتاف جديد، هذا نداء فريد !!
هذا قلم أزرق للعارفين من الخاصة ..
أيها الأزرق بطعم المحبة .. يا صاحب المجاز ، يا سيّد الكلام .. ويا فرخ الغمام .. عافاك!
------------------------
* ليس هذا مقالاً في النقد الأدبي، بل تعليقات على نصوص كان نشرها الكاتب الشاعر المتفرد أبو الحسن على صفحته بالفيسبوك.. جعلتها كلمة لمناسبة يوم تكريمه في 19 نوفمبر2018
** البورترية: للفنان العراقي فرهاد بيبو
---------------------------------------
أغنية ( يا حاكم زمانه ) كلمات ولحن: عبدالله هادي سبيت، غناء: أيمن البُصلي
أغنية ( لحكم الغرام ) كلمات ولحن: عبدالله هادي سبيت، غناء:عبود زين