من روائع الأمير اللحجي التي يقطر الشعر من أول صدر فيها إلى آخر عجز أغنية (في الحسيني جنائن) التي خرْجتها (ليه يا خاطري، ليه البكاء ليه ماشان؟)، فيها تحرّق وتودد واشتياق واستعطاف للزين لملاقاته بالحلال المُباح ، حيث يصطف الشاعر بين الربَتْ والشّوّاعة ويرقص. وفيها تحدّ وثبات على الوعد فهو لن يترك الزين ولو حشدوا له يَفَاعه (حشوداَ كبيرة). يستحيل هذا اللحجي إلى رومانسي خالص فهو يتمنى لو يتحول إلى قُمري يغرد في جنينة المحبوب أو يستحيل مجمرة عشق رومانتيكية لاهبة تسعد الزين ..
.
وقد أدى المطرب والملحن محمد سعد صنعاني الأغنية بلحن يعبّر عن معانيها، وبإطراب وإدهاش رغم كبر سنه فقد جاوز السبعين، وأميل كثيراً إلى أن هذا هو لحن القمندان الأصلي. ترى في غناء (أبي عبدالقوي) مقدار ثقافة الرجل وتمكنه من اللغة، وتتعرف على جمال عزفه على آلة العود وعلى حُسن أدائه بصوته الشجي اللذيذ. واستغربت حين وجدته قد غيّر كلمة (دُف) اللحجية الحالية إلى (قط) المنكورة عند أهل الشعر :
والنبي ما اعمد (المَنتا) وانا لي رداعة
والنبي والنبي أحمــد رسـول الشفاعة
ما اترك الزين لو با يحشدوا لي يَفَاعة
والنبي ما تركته ( دُف ) ماشي فــرَاعة
ليه يا خاطري ، ليه البكاء ليه ماشان؟
(المنتا) هي تخفيف للمنتأى أي المكان البعيد وهي كناية عن الطين/الأرض الزراعية التي تقع في نهاية الوادي وتروى في الأخير وأحياناً لا يصلها ماء السيل، على عكس الأرض التي تتردّع أي تأتي في واجهة عُبر السقو فتسقى أولاً؛ وفي هذا قيل المثل اللحجي: (مَن تردّعك قتلك).
.
(يفاعة): لغة حشود كبيرة ؛ ويقال في سنّ اليَفَاعَة أي في سنّ القوة والفتوة والشباب، وهنا تورية: فالمعنى القريب هو لو حشدوا لي محاربين أشداء والثاني لو حشدوا لي قبائل يافع وهم أخوال الشاعر.
.
وأما (دُفّ) التي استحى منها أستاذنا ومطربنا الكبير، رحمة الله عليه، واستبدلها بـ (قط) فهي مفردة من صميم اللهجة اللحجية الضاربة في الزمان، وأحسب أن من انزياح هذه اللفظة ما نجده في المعجم الوسيط: "دفّ الشيء : قلعه من أصله ونسفة "، فالشاعر هنا يقول أنه لن يترك محبوبه الزين (دُف) أي أبداً أبداً ولتقلعوا هذه الفكرة من أذهانكم، ويؤيد هذا المعنى مفردة (فراعة) التي جاءت بعدها، والفراعة لغة الفصل بين المتخاصمين فهو لن يفترع عنه وسيبقى به لصيقا. ثم أن الأمير العبدلي كعاشق أصيل يعمد إلى مخاطبة المحبوبة بلغتها التي تفهمها وهذه (الدُّف) كما (الفرعة) من أملاك النسوان.
---------------
• وفي مفردة (قط) معنى القطع، وقطعاً وأبداً
في الحسيني جناين - غناء محمد سعد صنعاني