الحجيري شاعر أغنية مجيد ، ومناضل صنديد، عركته الحياة عرك الرحى بتفالها، مرّت على رأسه حوادث جليلة وبقي شاعراً ديدنه المحبة كما صرح في إهداء ديوانه: "قد نلتقي بكره".
صاغ بستان (الحسيني) وجدان سالم الحجيري، وشكّل واديا (المخَـرّج) و (لِحْسَــان) ضميره ، وأورثته كدام (السّاف ومنصاع) والكدام الأُخَر تفكيراً صافياً ، وتعبيراً عناصره الماء و الخضرة والفاكهة والريحان. رضع الحجيري من (الحبيل) عنفواناً عذباً؛ ولا بدع فهي موطن (سطيح) كاهن العرب الأول. وإن كان خلا ديوانه من ذكر اسم (الحبيل) مسقط رأسه، فإني وجدته قد استوحى (طين الساكن) و(عتيرة) وقناة (امغراير) وكدام (سعيدة) و(عميران) شعراً وموسيقى.
شعره غنائي يعبر عن اختلاجات النفس، وألفاظه غالباً بسيطة جارية على الألسن، فيها عفير لحج وشجن (تُبَن) وفي كثير من قصائد الديوان شعرٌ حلو النسق والسياق، صافياً نقيّ اللون كوجه بنت جدته خولة طرفة:
ما قدرت أنساك يا حبي الكبير
وإذا حاولت أنسى ، أذكرك
ما قدرت أنساك !
لا تجد عند الحجيري تصويراً بل تعبيراً مباشراً عما يعتمل في نفسه، أُخرِجَ في لغة تكاد تلامس الحديث العادي :
أيش استوى ؟ أيش استوى
تبان لي ماشي سوا
تبان لي تهوى كما يهوى الهوى
هكذا يسيل الفرح والمرح اللحجي على صدور القصائد وأعجازها، وتخالك وأنت تقرأه أمام زجال لبناني من العيار الثقيل :
عيونْ له تأسر الناظر / وبسمته تجبر الخــاطرْ
فيها دواء نفس مَحزونه / عاده صُغيـّرْ يربّونهْ
أبو جمال حبيلي، والحبيلي لحجي، واللحجي مشرّع غرام. إنه يعرف كيف يخاطب المرأة ، فهو خبير بطب المرأة المعاندة . وهذا هو يجادل صاحبته المجافية ويفحمها .. وهو مخلص في حبه كل الإخلاص، وإذا ما جافاه المحبوب أشتكى منه إليه :
هنا في القلب لك مأوى ومسكن
لأن القلب لك سلّم وأذعــــن
ويـا مـا بـــات متألم ، وكم أَنْ
ولك أشكي ، لغيرك ما شكيتك
هذه واحدة من وثبات الحجيري الشاعر، ومن لحظات صدق الحجيري العاشق. فيها صدق فني وعاطفي، وفيها "لحجيانية" عذبة؛ حيث يسلك الشاعر طريق الحيلة للفوز باللقيا، على طريقة بشّار " .. إنا لا نراك فالمسينا " :
أنا مشتاق لك ، والشوق متعب
ونــــار الشـوق للأحشاء تلهب
وأنت تبتعــــد عـنـــي ، وتقرب
ولكـــــــن رغم قربـك ما لقيتك!
إنّ قلّة الصبر عند الحجيري هي إحدى هبات المحيط السنيّة، فذاك الأمير عبده عبد الكريم شاعر قليل الصبر آخر، "يريده كله في الساعة"ـ كما عبر الجاوي، وكلاهما من نفس (الحبيل) : وقد جاوزت هذه السّمة عند كليهما ميدانَ الغرام إلى محال حياةٍ أخرى:
الصبر كالمنشار ينشر صحة الصـابر نشـير
ونا معي صاحب وموقف صاحبي موقف مثير
إن قلت له سيره دلا، يزيـد يسرع في المسير
وإن قلت له سرعه يعـاندني ولا يرضى يسير
قلّما يفترع ربيب (عتيرة) القوافي ، ولكنه كثيراً ما ينزلق حين ينظم على الفصيح ، وهذه علة لا يسلم منها شاعر لحجي ومردّ ذلك ، في اعتقادي، إلى إفراط الشاعر في الاحتماء بلهجته، وإلى قلّة دربنه في النظم على لهجة قريش ، ثم لأنه في الأصل شاعر أغنية. يقول الحجيري في قصيدته " دار سعد " :
النارُ يا دارُ في قلبي لها لهبٌ / محتارُ يا دارُ و(الحيرهْ) تعذبني
ولكنك مع ذلك لا تعدم متعه هذا الدلع الأندلسي العذب، الممزوج بالروح اللحجية المرحة في دعوة الشاعر للحبيبة بأن : "كُلِي" :
أحبك رغم بعدك والتجافي / وأسعـد باقترابك والتصابي
ويكفي أن أراك بحالِ خيرٍ / فديتُك ، إن هذا منـــك كاف
وشاعرنا لا يقصّر، في محاورة النساء، عن ابن جدتنا المخزومي ؛ فهوبارع في الوصف وسريع:
حبّيتكم حب من قلبي / مخلص لكم صادق النيّة
وبي عليكم شجـن زايد / وشوق واجد وحنيّه
وذكركم ما يفــارقني / في كل الأوقات ، يوميّه
وكيف بالله تنسوني / ما عاد شي تسألوا بيّه
أنا على بالكـم والاّ / قـدها علاقـات سطحية
في البُعد مَن مننا الفايـد / ماشي لكم فَيـدْ أو ليّه
يا ويلكم يـــوم بدلتوا / بعــد المحبة كراهية
مهما جفيتم أنا صـابر / وكلمة السر مخفيّه
لي عندكم أحسن الذكرى/ ولي أمـل ترجعوا ليّه
أنتوا سلا القلب والخـاطر/ ولأجلـكم حيِّتي حِيَّهْ
وهو فوق ذلك مرِح، وصادق، وبسيط، ورهيف وشديد معاً. أنظر كيف رقّص الحجيري الشدّات رقصاً عبدلياً:
من العين تسلَمْ / وتسعد وتنعَم / وفي الحبّ مغنم / متى باترحم ؟
تعبــت المتيّـــم / ويا مــا تألـــّم / وكم دار سـوّم / متى باتفهم ؟
تحكّـــــك وورّم / وقد سيَّــل الدّم / وطبَّــب ونجّـــم / متى باترحم ؟
شكّل الحجيري مع مطرب لحج الكبير ( فيصل علوي) ثنائياً جميلاً، ولطالما أسعدا قلوباً وأمتعا أفئدة ، فبقيت لهما عند الناس ذكرى عطرة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغنية ( الصبر مفتاح الفرج ) كلمات: سالم علي حجيري ، اللحن: للقمندان، غناء: فيصل علوي
أغنية ( حبيتكم ) كلمات: سالم علي حجيري، اللحن: دحيف أبيني ، غناء: عبدالمنعم العامري