شريط

2‏/2‏/2013

عشاق الشريفات

دراسة مقارنة بين الشاعرين عمر بن أبي ربيعة واللورد بايرونByron in Albanian dress, painted by Thomas Phillips, 1813

في نوفمبر 1998 نال الأديب الناقد (جمال السيد) المحاضر في الأدب الإنكليزي بجامعة عدن، درجــة الماجستير على دراسته المقارنة التي عقدها بين الشاعرين الكبيرين: الأمـوي(عمر بن أبي ربيعة) زعيـم الغزلين في الشعر العربي، والإنكليزي (لورد بايرون - Lord Byron)،صوت الرومانسية، في كل أوربا في القرن التاسع عشر. وتعـد هذه الدراسة أول دراسة في الأدبين الإنكليزي والعربي، وأول أطروحة في الشعر الإنكليزي والأدب المقارن بجامعة عدن . وقد تفرّدت الأطروحة في موضوعها وفي تناولها لنقـاط جديدة جديرة بالبحث لم يطرقها أحد من قبل، إضافة إلى تمّيزها كأول دراسة أكاديمية تفصيلية في هذا المضمار. ولطرافة الدراسة وجدّتها أجرينا هذا الحوار.

 واحدي

       حاوره: عبدالواحد عبدالله   


أولاً دعنا نسألك كيف جاءت فكرة المقـارنة ؟

الفكرة ليست جديدة. لمس بعض النقاد العرب بعضاً من أوجه الشبه بين الشاعرين في الشخصية وفي الوضع الاجتماعي ، وقليلاً في موضوع الشعر؛ ذلك أنهم لمسوا من موضـوع الشعر جانبـاً واحـداً وهو أن كلا الشاعريـن تغــزلا كثيراً بالمرأة ، وهما يتشابهان في جمال الطلعة والمنشأ الأرستقراطي ، وفي علاقاتهما الصارخة بالمرأة . هذا كل ما لمسه النقاد وقالوه وهو قول ثناهم عنه المتمشرق (جب Gibb) في كتابه: "مقدمة في تأريخ الأدب العربي"( بالإنكليزية )، ورأى المتمشرق(جب) أن الأجـدر هو تشبيه ابن أبي ربيعة بـ ( روبرت هرك R. Herrick ) ، أحد شعراء البلاط الإنكليزي في القرن السابع عشر. وكانت نظرة (جب) أن لكليهما شعر كثير في المرأة وغنائيات عذبة في وصف مفاتنها. ومن الأدباء العرب الأديب السوري الأستاذ (سليمان الخش) الذي رفض المقارنة بين عمر وبايرون في كتابه "مقتطفات من الأدب الإسلامي والأموي". هذا كل ما قيل وكتب عن إبن أبي ربيعة وعن مقارنته ببايرون . وليس هناك دراسة أكاديمية تفصيلية غير دراستنا. ولتخصصي في الأدب الإنكليزي ومعرفتي للشاعر بايرون معرفة حقّه من خلال شعره قبل سيرته الذاتية ، ولمحبتي لعمر  كصوت شعري متميز في فن الغزل العربي ، فقد وجدت أن ما قاله النقــاد العرب والأجانب لا يعدو عن التقاط ملامح ضئيلة من أوجه الشبه الكبيرة والكثيرة بين الشاعرين . وقد استهوتني الفكرة وأسرني العناد فوضعت الأطروحة مبرزاً التقاء الشاعرين في نقاط شبه كبيرة وكثيرة تتجاوز الشخصية إلى ما تتسم به ، وتتعدى موضوع شعرهما الغزلي في المرأة إلى موقفهما العدائي الانتقامي منها ، وتبيان أسباب ذلك .وتضع الأطروحة الشاعرين قبالة بعضهما كمجددين في الأدبين العربي والإنكليزي ليس في موضوع حب المرأة بل وحب الطبيعة أيضا. وأبعد من ذلك تفرّدهما في فن الهجاء. وما كان لأحد قبل هذه الدراسة أن يقـول بأن لإبن أبي ربيعة شعر في الهجاء. وهذا هو الجديد في الدراسة ؛ وبذلك تعتبر أول أطروحة في الأدب العربي ، وفي الشعر الإنكليزي المقارن بجامعة عدن

هذا جهد كبير، يعني كان عليك الإلمام بالأدبين العربي والإنكليزي، وكانت معظم إستشهاداتك - كما قرأت وكما ذكرت أنت- من شعرهما أكثر من إعتمادك على سيرتهما الذاتية فكيف قدرت على ذلك كله،ناهيك عن تحملّك عبء ترجمة شعر عمر الى الإنكليزية؟ وهل واجهتك صعوبات؟

الدكتوران جين وطاغور من لجنة النقاشدرس الأدب المقارن يتطلب حنكة ومراس وخبرة كافية بسرّ القصيدة سواء كتبت باللغة العربية أو باللغة الأخرى ، وهذا لا يتأتى دون الإدراك التام والفهم الوافي للغتين معاً وإلا سقط الاستشهاد وتناقضت الفكرة مع الفكرة المقابلة .وما كانت ترجمتي لشعر عمر إلى الإنكليزية موفّقة جميعها بل أخفقت في ترجمة بعض الأبيات، ولكني تغلبت على ذلك بتعاون المشرفين وهما خبيران في الأدبين الإنكليزي والعربي ومتخصصان فيهما؛ فالمشرف على الجانب الإنكليزي في الأطروحة كان شاعراً هندياً معروفاً وأكاديمياً مشهود له في عموم الهند ويدعى:( B. T. Desai )، وأشرفت على الجانب العربي كاتبة وأديبة هندية مسلمة ومحاضرة في اللغة العربية هي ( عصمت مهدي ) من مؤلفاتها: "الأدب العربي الحديث" باللغة الإنكليزية قدمه لها الشاعر صلاح عبدالصبور. كان هذان العلمان مرجعاً لي عند كل عثرة. وقد وجدت في المعهد المركزي لتعليم اللغات الأجنبية CIEFL بحيدر آباد كثيراً من المراجع المطلوبة للبحث في حياة وشعر بايرون ، وفي مكتبة (الجامعة العثمانية) أهم ما يتعلق بابن أبي ربيعة وخاصة ديوان شعره وكتاب جبرائيل جبّـور عنه ، ولكني اعتمدت على استنطاق النص الشعري عن حياة الشاعرين دون التعويل بشكل أساسي على سيرتهما الذاتيه في كتب الأدب ، تجنّباً لتضارب الأقوال والروايات ليس عن حياة عمر - وإن كثرت - بل وعن حياة الشاعر الانكليزي . ثمّ أن ترجمتي لبيت الشعر الإنكليزي إلى العربية لم تكن ترجمة شعرية بل نثرية paraphrasing)) .

  الهجاء بالغزل

إستنطاق النص ليس بالأمر الهيّن، وهي طريقة قلّما يتقنها ناقد؟‍‍‍‍‍

أنت تعرف أني قبل أن أكون طالب دراسات عليا أنا محاضر في الأدب الإنكليزي ، وأديب ، ولي دراسات نقدية متواضعة في الشعر العربي والعامي منه خاصة . واستنطاق النص الشعري واستخراج مضامينه هي الطريقة المثلى للدرس ، وأنا أدرّب طلاّبي في الكلية على ذلك. هذه هي الطريقة الأكثر أكاديمية وإقناع من تلك التي تتّخذ من سيرة حياة الشاعر ومن مناسبة القصيدة مفتاحاً أو مدخلاً لحل مغاليق النص واستكناه أسراره .

كيـف؟

خذ هذا المثل: قال عمر في "النعمية" بيتاً أخطأ النقادة العرب إدراك مغزى عمر منه، وورّث شكّاً عند بعضهم كسليمان الخش ومارون عبّود، وفيه يختتم عمر مغامرته مع صاحبته ( نُعْم ) بهجاء مرّ غير مباشر لزوجها، وفيه تشهير مقصود بشريفات المجتمع الأموي ، قال :

هنيئاً لأهل العامرية نشرها اللذيـــ/ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذ وريّـــــــــــاها الـذي أتـذكّر

أنظــر إلى هذا التدوير في (اللذيذ) وأقرأ البيت كما هو مكتوب بمدّ ياء اللذيذ، فماذا تجد غير التّشفي والفضح والتشهير بزوج ( نعم ) وبأهلها قبل نعم، وما يفعل هكذا المحبون وإن لم يصدقوا في حبهم ، ولكنها نار الانتقام المتأجّجة في لُحفة عمر من "شريفة" قرشية كانت تستفتح بنسبها على أمّه السبية اليمنية؛ ففي كلمة "اللذيذ"والتدوير الشعري مفتاح سرّ البيت والقصيدة بكاملها ، وهو يعبر جلياً عن إمعان عمر عمداً وعدواناً إثارة نار الغيرة لدى أهل نعم وجرحهم .

   الإنتقـام من الشريفات

  لكن النقادالعرب بما فيهم طه حسين وضيف وعمر فرّوخ بل وحتى الأصبهاني صاحب الأغاني يقولون على أن عمر بن أبي ربيعه قد قصر شعره على التغزل بالمرأة وأنه لم يهج قط ، بينما تقول أنت أن له شعر في الهجاء وأنه هجا المرأة؟‍ ‍‍

المقابلة بصحيفة الثقافية جميع الكتاب الذين ذكرتهم هم ضحية الأصبهاني ، والأصبهاني نفسه ضحية الرواة المتضاربة أقوالهم . قال الأصفهاني في أصل أم الشاعر عمر أنه يرجّح أن تكون يمنية (حرّة) لا سبيّة ، ودليله على ذلك كبرياء عمر وتيهه ودلاله ؛ قال: "والغزل أتى عمراً من اليمن" ، فماذا ترى؟ إنّ مثل هذا التخريج في الأدب هو تخريج بائس. وقد انتظم في سلك هذا التخريج أو الاستنتاج الكتاب الذين ذكرت أنت . ولكنا إذا ما قلبنا الصورة مخالفين لهم فإنّا نصل الى معرفة سر" نشر عمر غسيل مجتمعه على حبال شعره " وهو ما تســاءل عنه الأستاذ (سليمان الخش) المحاضر بالجامعة السورية في كتابه الذي ذكرت قبلاً وتركه من دون إجابة . ثم أن الأدباء تعارفوا على أن الهجاء لا يكون - في مجتمع كالمجتمع الأموي - إلا في الرجال دون النساء ، و قد عزّز هذا المفهوم لديهم أن ليس للهجاء في كل عصوره الأدبية غير هذه الصورة . ولكن شاعراً في مقام عمر في قومه وبسبب وضع أمه الاجتماعي؛ أ قصد أن يكون عمر من مخزوم ريحانة قريش وإبن أغنى أغنياء قريش أمه جارية ، قد أجبره - انتقاماً لأمه من شريفات قريش وسيدات البيت الأموي المالك - الى إتّـباع طريقة معلِّمه و"عبده" الشاعر سُحيم (عبد بني الحسحاس) في الهجاء بالغزل ، وهي ذات طريقة قريبه ( إبن قيس الرقيات) وهكذا أتخذ الهجاء على يد هذا الثالوث الأموي الآخر صورة جديدة هي (الهجاء الغزلي) التي فطن لها الدكتور طه حسين عند إبن قيس الرقيات، وفاته أنها أوضح عند عمر ومبررة منها عند قريبه ، وهي التعرّض للخصم والتعريض به ليس عن طريق تعديد مثالبه الشخصية بل بنبش الأعراض بطريقة غير مباشرة.

هل تقصد أن إبن أبي ربيعة قد ابتدع هذه الطريقة إبتداعاً؟

لا ، سبق أن قلت أن مبتدعها هو ( عبد بني الحسحاس ) الذي على يده تعلم عمر الشعر ، وقد كان هذا واحداً من العبيد ضمن ممتلكات عبدالله "العِدْل" والد شاعرنا عمر. وتبعه في ذلك إبن قيس الرقيات شاعر الزبيريين خصوم الأمويين ومنافسيهم على الخلافة ، فكان عمر ثالث اثنين إذ وجد في هذه الطريقة ستاراً يمكنه الضرب من ورائه دون أن يُنْتَبه له، فذهب يعرّض بشريفات قريش وحريم البيت الأموي المالك اللواتي كنّ يستفتحن بنسبهنّ على أمه الجارية بأنهنّ الشريفات وهي غير شريفة ، وأنهنّ الحرّات وهي سبية "أم ولد". ذهب عمر يعرضهنّ سهلات المنال حتى لإبن السبيل ؛ قال على لسان إحداهنّ :

غريـب أتـى ربعنــا زائـراً   /  فأكـره رجعتـــه خائبــا

وفي بيت الشعر هذا تشفّ واضح ، وتعمّـد لفضح الشريفات ، وإنتقام مقصود لا يخطئه الذوق .

كيف يلتقي بايرون مع عمر في هذا الشأن ،أقصدالهجاء؟

Lord Byronهذا واحد من أوجه الشبه الهامة بين الشاعرين . فكما كان إبن أبي ربيعة مجدداً في طريقة الهجاء مؤسّساً مع قريبه إبن قيس الرقيّات ومع معلمه عبد بني الحسحاس ما يمكن تسميته بالهجاء الغزلي او الهجاء بالغزل ، كان لورد بايرون هو الآخر هجّاء من الطراز الأول. فقد كانت قصيدته الشهيرة "فهود إنكليز ومراجعون اسكتلنديون English Bards and Scottish Reviewers" حملة شعواء وقذع مرّ على كل معاصريه ، شعراء ونقاد ، الذين تعرضوا بالنقد لديوانه الأول :"ساعات الملل Hours of Idleness". وقد بدأ بايرون كتابة الشعرالهجائي باكراً وأبدع فيه مفرداً له وزناً مستقّلاً يدعى:(OttavaRima).انتقد بايرون مجتمعه سياسياً، وشهّر بالطبقة الأرستقراطية التي مثلتها سيدات لندن، وهجا كبار أدباء عصره بما فيهم زعماء الرومانتيكية كـ ( وردزورث وكلوريدج ). ويجد القاريء لورد بايرون أكثر إبداعاً في هجائه عنه في غزله .

   فاسقان كريمان

ماذا عن أوجه الشبه الأخرى؟

كلاهما سيد في قومه ، وكلاهما تيـّاه مغرور بنسبه و بجمال طلعته وبشعره .كان عمر يفتخر بشاعريته ، إذ بمقدمه أقرّت العرب لقريش بالشعر ، وبطلعته التي جعلت منه المعشوق لا العاشق ، وآزر حسن شعره جمال طلعته فتزاحمت النسوة حوله فصوّر نفسه في كل قصائده مطلوباً لا طالباً. افتخر عمر وفاخر بأصله ونسبه كسيد هاشميّ من مخزوم ريحانة قريش ، وأفرط في ذلك بسبب أصــــل أمه فهو "المغيريّ والمخــزومي والقــرشي"بحسب قبيلته وعشيرته ، وهـــو "أبـو الخطـــاب"و" أبو حفص" بحسب كنيته ، وهو لذلك عمر منقذ العذارى ساعة الضيق والحرج وهو في عيون صاحباته كـ (الخُضُـر) في الفلكلور الشعبي، أو "غودو Godot " في الأدب الإنكليزي، أو قل كالقدر السعيد القادم الى العذارى على ظهر حصان أبيض تحلم به كل بكـر، قال:

بينما ينعتننــي أبصرننــي  /   دون قيد الميل يعدو بي الأغر

وهو المستعان عند كلّ عثرة ؛ ذلك أن نساء الحجاز كنّ يدعين باسمه ويستنجدن به ، تماماً كاستجارة اليمنيات بـ (سين) و (يس) و ( إبن علوان) كلما عثرت إحداهنّ في مرطها؛ قال عمر :

كلـّمـا عثــرت في مرطهــا /  نهضـت باسمـي وقالت: ياعمر!

ومثله إفتخر لورد بايرون على أضرابه من الرومانسيين بأنه الرومانسي الحق، وكان حقاً صوت الرومانسية كمدرسة في كل أوربا . وكثيراً ما افتخر بايرون بتحدّره من عائلة ترجع الى ( وليام الغازي William the Conqueror )، كما كان بايرون جميل الطلعة أسرت وسامته يؤازرها صوته الشعري أرستوقراطيات لندن وسيدات إيطاليا. كلاهما قال شعراً جريئاً في المرأة ،خاصة عمر. وكان لكليهما موقفاً عدائياً إنتقامياً من المرأة ؛ سببه عند بايرون إصابته في حبه الأول وفشل زواجه من الأرستقراطية المتعجرفة (ميلبانك)، وقسوة أمه عليه صغيراً، وطرده من إنجلترا بسبب ما أذيع عن علاقته بأخته. وسببه عند إبن أبي ربيعة : تيتّمه المبكّر، وإحساسه بالكره تجاه "حرّات"مجتمعه اللواتي كنّ يستفتحنّ بتحّدرهنّ "العريق" على أمه (مجد) السبية اليمنية ؛ ثم إصابته في حبه لـ ( الثريّا) التي بسببها أبعده أخوه (الحارث) إلى أخواله بلحج وأبين. وهكذا يلتقي الإثنان في أنهما قد أبعدا عن بلدتيهما بسبب المرأة. ومن أوجه الشبه الأخرى أن كليهما كان نبيلآ ورسول حرية ، رحيماً ومناضلاً من أجل الإنسان .. وكلاهما كان فاسقاً متمرداً، وأخيراً كلاهما مات وهو يقاتل في سبيل الحرية للإنسان ومن أجل ما آمن به واعتقده : مات بايرون وهو يقاتل مع الثوار اليونان ضد الاحتلال التركي، ومات إبن أبي ربيعة محترقاً في سفينته وهو في طريقه مع المجاهدين المسلمين لفتح إسبانيا - إن صدق الرواة. وهكذا كانت الحرية الجامع بينهما حياة فموت .

كونك ناقد بحث في الأدبين العربي والإنكليزي،هل وجدت فروقاً في التناول الشعري لموضوع المرأة عند الشاعرين؟ لمن الغلبة،للشاعر العربي أم الإنكليزي ؟

عشاق الشريفات ـ دراسة مقارنةالمرأة عروس الشعر العربي، كما هي أحد مواضيع الشعر الإنكليزي الهامة ، وللأسبقيه الزمانية للقصيدة العربية ، من جانب، ولأن اللغة العربية مطواعة وغنيّة وشاعرية على عكس الإنكليزية المعروفة بفقرها تركيباً نجد تناول الشاعر العربي لموضوع المرأة – في نسيبه أو تشبيبه – يتعدى الوصفية إلى التعبير عن مشاعره هو ، وعما يعتمل في نفسه من وجد وشوق أوتحقيق لقاء تعبيراً غنائياً ووجدانياً معاً، وفي ذلك يبزّ الشاعر العربي نظيره الإنكليزي الذي تقف ملكته الشعرية عند حدود وصف الخارج. والعكس صحيح في تناول موضوع الطبيعة حيث لا يستهوي عمر"البرق والشوك"، ويستحيل بايرون مع الطبيعة الى طائر غرّيد ، وإن كان أقل أقرانه الرومانسيين ذوباناً كـ ( شللي) و (كيتس) .. ولربما مردّ ذلك الى حالة الحرمان والكبت التي هي نعمة للشعر وللشاعر العربي . فالحرمان قد ذاقه عمر باعترافه ، فتفوّق في موضوع المرأة على شبيهه بايرون. هذا عمر ،مثلاً، وقد برّد عطشه من رضاب صاحبته يعبّر أجمل تعبير لا يرقى إلى مثله الشاعر الإنكليزي :

فلثمت فاهـا آخـذاً بقرونـها  /  شرب النزيف ببـرد ماء الحشرج

أوجه الشبه كماأوضحت كثيرة،فهل يعني أن ليس هناك أوجه إختلاف؟

ليس هناك اختلاف، بل هناك عدم تشابه ؛ فالشاعران يلتقيان حتى في مواطن عدم تشابههما. مثلاً ،في قصيدة بايرون : "تمشي في الجمال She Walks in Beauty" بدت عشيقة بايرون تمشي في جوّ مونق يحفّ بها الجمال من كل جانب ، تنزل السلام والفرح في الرجال المحتفلين هكــــذا :

She walks in Beauty, like the night

Of cloudless climes and starry skies

And all that's best of dark and bright

Meet in her aspect and her eyes:

Thus mellowed to that tender light

Which Heaven to gaudy day denies.

بينما بدا عمر لصواحباته اللواتي كنّ ينتظرن مقدمه في سكون الليل المظلم قمراً أضاء ظلمة ووحشة قلوب العذارى هكذا :

بينما   ينعتنني   أبصرنني  /    دون  قيد  الميل  يعدو  بي الأغر

قالت الكبرى: أتعرفن الفتـى /  قالت الوسطى:  نعـم ،  هذا عمر

قالت الصغرى ــ  وقد تيّمتـها :/  قد عرفناه .  وهل يخـفى القمر!

    عشّـاق الشريفـات

عنوان أطروحتك The Lovers of Noble Dames يبدو لي غير واضح. هل تقصد عشاق الشريفات أم السيدات النبيلات ، وكيف يلتقي الشاعران في ذلك؟

Lord Byronكلا الشاعرين يلتقيان في تغزّلهما بالمرأة الأرستقراطية مع فارق بسيط وهو أن بايرون تتبّع وتغزل بسيدات المجتمع الإنكليزي وخاصة (المتزوجات والوارثات) طمعاً في ما لديهنّ وهو يحاكي في ذلك والده ، أما عمر فقد تغزّل بشريفات قريش أمويات وهاشميات وخاصة (غير المتزوجات) واللواتي لهنّ مكانة اجتماعية عالية،أو شريكات الخلفاء وبناتهم. وهما يلتقيان في رغبتهما للانتقام من الأرستقراطيات اللواتي يدّعين الشرف والعفاف ويستفتحن بذلك على غيرهنّ من النساء عند عمر، أو يتظاهرن بالعلوّ والتفوّق ويتعجرفن وهنّ بليدات الحسّ والمعرفة وغير بريئات عند بايرون. وكلاهما رام الفضح. وقد أدركت( فاطمة بنت عبدالملك بن مروان) مقصد عمر الحقيقي دون غيرها فأطلقت عليه :"فضـّاح الحرائـر". وقد صدقت ابنة عبدالملك؛ ذلك أن مفردة الفضيحة تجري في ديوان عمر كجريان السمّ في "هاملت" شكسبير

 

  نشرت بجريدة (الثقافية) العدد ( 130) في 14 فبراير 2002

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

image

غنية ( يا ورد يا كاذي) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: عبود زين

             المقام: السيكاه ، الإيقاع: مركّح 4/4 ، 116= .♩، (هاجر +2 مرواس)

imageأغنية ( لما متى تبكي ) كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: فيصل علوي