شريط

28‏/2‏/2024

طرب لحجي: أحبك يا سلام

كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان، غناء: فضل محمد اللحجي وفيصل علوي 

المقام: الحسيني مصور على درجة النوى ، الإيقاع: شرح لحجي ثقيل (سلطاني)

كرهت عدن المالح فمدَّت لسانها لتشرب من تُبَن ، وعافت (بيف) النصارى ومعلباتهم فيَمَّمَت صوب كَدِر لحج وخَمِيْره. ومثلما وجد الحاميُّ الشرقيُّ في لحج أشباهاً له وأنصاراً، لقِيَ بها (الهندوكي) ضالته، وكانت (لاكشمي) سُعْدَاً عليه. جاءها (ابن بهارات) فوجد أهلها يطوفون بالأضرحة ويقدمون لها القرابين. وجدهم يرقصون ويطعنون ويقشقشون، ويمشون على الجمر، والكل حول "البيرق" و(المريدنجام)، فربط مثلهم عُقداً وتَمَسَّح بـ "الكِسْوَه" ورقص معهم الـ(بهاراتاناتيام).

تَنَسَّمَ في عاداتهم وفي تقاليدهم ريحَ بلاده. لَقِيَ عندهم خضراوات (كوتي – Kuti) وفلّ أورانج آباد، وأعجبه المُشَبَّك والمكركر. لقي في اللحجي تجسيداً ناطقاً لما قد قرأه في (الفيدا) حيث الكشف عن الحقيقة في قلب الحقيقة. لقيهم يقدرون البقرة ، ويتبولون في العراء ، ويُبجلونَ مِثله (سوبهاج – الإلهة البهيَّة الطلعة) وعندهم للجمال تقدير عميق؛ فأيقن أن (شيفا) أصله لحجي. حضر أفراحهم فإذا الرجال يرقصون ( الكاثاك ) ويسمونها "واعلى الحِنَّا"، وإذا النسـاء يرقصن الـ(Rass) (زَفنَةً) أو (مُرَكّح)، فتخلّى عن عادة " السُّوتِي" وانتظمَ معهم في حِمَى شيرين. ذَكَّـرَه جنوحهـم للسلم وعـدم العنف بـ" أهيمسا " جينيه "مهافير". وخُيِّلَ له أن (فيشنو) في تقمّصِه التاسع قد ظهر في (المحلّه) في هيئة الولي (طافيز).. فسكن هواه في (سُفيان) واستقرَّ في (عُبَر لِسلوم)..

جرف سيل الهوى الهندي المُتدفِق شَعَراً وشِعْرَاً وشُعُوراً اللحجيَّ فإذا هو في حظيرة (رام):

جبينْ لك بيضاء هِلاليَّةْ وجَعْـ/ــدِ اسْوَد هُنَيدي رام رام / واحنا عبيدك في الهوى جُملة / وانا حبَّك يا سلام

دخل الأخضرُ الحاميُّ في أشجار الحسيني فتجلّى غصناً في الأغصان ، واستوطنَ العشقُ اللحجيُّ دَرَايا الهنديات فطاب له البيات ، واستعر القلب جحيماً من هوى حقّات ــــ صاااادق النيّة ، 



هذه واحدة من أعذب أغاني القمندان وقد ذاعت في كل أصقاع المعمورة. تغنى بها السارح والبارح؛ وصدح بها السيارة وحداة الجمّالة ؛ المقيلون بدواوينهم وأهل الأعراس في مخادرهم؛ وغناها الأجانب شرقيون وغربيون ، آسيويون وأفارقة حتى لم يبق عاشق للطرب لم يسمعها أو يستمتع بها. أول من غناها هو الموسيقار فضل اللحجي وسجلها على اسطوانات التاج العدني عام 1939م. وغناها من بعده بامخرمة، وعبدالمحسن المهنا، وفيصل علوي، وطه فارع، وبشير ناصر ، وسعيد سيلان، ونوال، ونور الهدى وأسماء المنور وعبود زين وأصالة وطابور من المغنين من كل بلد.. ولكن يبقى الأداء المُطرب المُفعَم بالشجن والشكا والوجد وأريج الحسيني يتدفق نغماً ومعنىً ومقاماً من صوت فضل محمد اللحجي وفيصل علوي.


احبك  يا ســلام

يـا مُنيتي، يــا سَــــلا خــــاطري *  وانا  احـبك  يا ســلام

ليه الجفـــــاء ؟  ليه تجـــرحني وانا

أحبّك يا ســلام

*  *  *

لك عنق الظباء يا سيدي وعـين الـ*ــمها لك وتغريد الحمام

واحنا عبيـــدك فـي الهوى جُملة


image


يترنم على البانة عشيّة قمري *  الروضة على  غصـن الســــلام

ذكّرني بأحبابي وبكــاني الغرام  

  *  *  *

جبين لكْ بيضاء هــلاليـّة وجعــ * ــــد اســـود هُـنيــــدي رام  رام

يا آسري ليه تظـلـــم في  الهوى     

*  *  *

بين الرَّمَــادة والحُسيني فـــــــاح * عرف الفـل والكــاذي والبِشَام

يمسي يداعب في الهوى هاجسي 

*  *  *

يا هركلــيْ   غــنّ   بالبـــــــــاكرِ  *   ثَــمْ ، مــن  خلف ( الكِــدَام )

حيث الصفاء حيث سُعـدك والمنام

أحبّك يا سلام 

 __________

بستان غرة العين ــ الحسيني لحج عام 1965المفردات:

الحُسيني: بستان واسع بلحج مساحته 75 فداناً يشمل عدة بساتين هي:بستان الحسيني والرمادة وغرّة العين والبحيرة وحيط البصل، وكان الأمير الشاعر قد جلب كثيراً من غروس أشجار الفواكه من الهند كالاترنج والليمون والعاط والخرنوب والشيكو، والبيذان والمانجو والتمبل وغيرها؛ ومن الرياحين الفل والكاذي والنرجس والياسمين والخوع والحنون وغيرها. ومثلت بساتين الحسيني مغاني طيبة للشاعر. وقد زار البستان لشهرته عدد من الشخصيات العربية المرموقة : من لبنان الأديب الكبير(أمين الريحاني) صاحب كتاب (ملوك العرب) عام 1952م، ومن مصر الأديب السيد محمد الغنيمي، ومن تونس عبدالعزيز الثعالبي، ومن العراق الأديب صالح جلبيت وبعثة مجلة العربي الكويتية في استطلاعها العدد 84 نوفمبر 1965م. عن لحج، وآخرون.

قصر الروضةالروضة: هي حديقة بالحوطة يقع بوسطها قصر السلطان العبدلي، وهي اليوم كليـة الزراعة. الجَعْد: من الشعر خلاف السَّبْط أو هو القصير منه. رام رام: بالهندية الله الله. البشام: شجر عطر الرائحة يدق ورقه ويخلط بالحناء فيسوّد الشعر ويُستاك بقضيبه، يدعو الصيادلة حبَّه بحبّ البَلَسان. هركلي: الهركولة هي الحسنة الجسم والخَلق والمِشية ، وكذلك الجارية المرتجّة الأرداف. ثَم: هناك.

الكدام: قرية قرب الحسيني وهناك عدة كِدام منها كدام الساف والمنصاع وامغراير وكدمة عميران وغيرها.

 

ديوان القمندانالشاعر:  الأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي الملقب بـ(القمندان) (1885 ــ 1934). ولد في مدينة الحوطة محافظة لحج ـ اليمن، هو أبو الغناء اليمني ورائده في كل جزيرة العرب بلا منازع. شاعر عامي فحل، وكاتب مجيد، ومؤرخ ثقة. كتب الشعر العامي فتسلل إلى قلوب الناس إذ وجدوا في أغانيه تعبيراً عن مشاعرهم وما تلتهب به أفئدتهم من لواعج الغرام. غلبت على شعر الأمير بساطة المزارع وفرحة الفلاح ؛ فالأرض والزرع والخضرة والريحان هي غاية متعته، بل كانت المرأة وسيلته للتمتع بالفاكهة والرياحين أو مكملاً ضرورياً لذلك.

ترك القمندان ديوان شعر عنوانه: "الأغاني اللحجية" صدر عن مطبعة الهلال ـ عدن عام 1938م ، ثم وسّعه وأسماه:"المصدر المفيد في غناء لحج الجديد" وصدر منه (خمس طبعات) وكتاب "هدية الزمن في  أخبار ملوك لحج وعدن"(ثلاث طبعات)، وله أربع مقالات:"فصل الخطاب في تحريم العود والرباب" و"لمن النصر اليوم: لسبول الذرة أم لطبول المجاذيب؟"و"الخزائن المظلمة"و "وداع بيت أكبار". زاره الأديب الكبير امين الريحاني في لحج وأسماه في كتابه (ملوك العرب):"شاعر لحج وفيلسوفها" ووصفه بـ"سلك الكهربا في لحج". نشرنا عنه عدة مقالات بالمجلات والصحف ومحاضرات جمعناها في كتاب: (القمندان.. الحاضر بمجمرة رومانسية).

الموسيقار فضل محمد اللحجي2المطرب: الموسيقار فضل محمد اللحجي ( 1922 ــ 1967 ). ولد بمدينة الحوطة  عاصمة محافظة لحج. تلقى مبادئ القراءة والكتابة والعزف على آلة العود على يد أبيه. ثم تعهد الأمير القمندان، باني النهضة الفنية بلحج، به وبزميله مسعد بن احمد حسين، وجعل منهما مطربين مشهورين في اليمن وخارجها. وقد تفرّد فضل محمد في تطوير بعض ألحان القمندان وبعض ألحان التراث بالإضافة إلى ابتداعه لألحان جديدة فحافظ على مدرسة القمندان وأضاف إليها. ويُعد فضل أفضل عازف على آلة العود في جزيرة العرب، وأكبر مطربي اليمن. عُرف ببساطته وتعاونه ومحبته للناس وعزّة نفسه. من ألحانه: (طاب السمر يا زين) ، (البدرية) و(سال لِحْسان) للقمندان؛ و(سرى الليل يا خلان) و(يا عيدوه) و(بانجناه) لسبيت؛ و(سقى الله روضة الخلان) لصالح فقيه؛ و(أخاف) و(قضيت العمر) لصالح نصيب.. وغير ذلك كثير. جمع الشاعران عيسى ونصيب سيرة حياته في كتاب: (فضل محمد اللحجي: حياته وفنه)، دار الهمداني عام 1984م. توفي في 3 فبراير 1967م ودُفن بالحوطة.

المطرب الكبير فيصل علويالمطرب: فيصل علوي سعد ( 1949 ــ 2010 ). ولد بقرية (الشقعة) مديرية تُبَن محافظة لحج. احترف الغناء صغيراً بالتحاقه بالندوة الموسيقية اللحجية في العام 1959م بمعية كبار شعراء لحج ومطربيها. ومنها صدح بأولى أغانيه (أسألك بالحب يا فاتن جميل) من شعر أحمد عباد الحسيني ولحن صلاح ناصر كرد و (ورا ذي العين ذي تدمع) كلمات عوض كريشة ولحن صلاح كرد.. تميّز بعزفه الجميل على العود، وبصوته الجهوري الأخّاذ. بعد وفاة أستاذه الموسيقار فضل محمد اللحجي، غطّت شهرة (أبو باسل) كل جزيرة العرب، وغدا مطرب الجزيرة الأول بلا منازع. غنى في القاهرة وبيروت ولندن، وطاف أصقاع المعمورة يحمل شعراً ونغماً صافياً ضافياً، ومحبة وسلاماً. لقد كان أحد أعمدة الأغنية اللحجية في دورها الثالث. كتبنا عنه كتاب:(المقامة اللحجية: نحن للطرب عنوان). توفي في عدن في 7 فبراير 2010م.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 غناء:  فضل محمد اللحجي 
  


غناء: فيصل علوي

في حفلة عامة (مخدرة) بلحج