شريط

8‏/7‏/2025

عن تراث لحج والقمندان

عن تراث لحج والقمندان
د. جمال السيد
---------------------------------
سألتني الطبيبة الأديبة أريحا الدربي: أين كانت لحج من الوجود التاريخي والحضاري والإنساني والثقافي قبل السلطنه العبدليه فكل الأطروحات والحديث والتغني بماضينا او تاربخنا لا يتعدى هذه الحقبه؟
---------------------------------

السؤال كبير يا بنت معلمي .. لنتحدث فيسبوكياً عن الجانب الثقافي ..
ليس الشعر العربي هو الذي بدأ بامرىء القيس؛ فقد كان ذو القروح خلاصة لمئات رؤوس شعرية قبله. قبل قريش وعكاظ كانت هناك مشيخات عربية قبلية: سبأ ومعين وحمير .. ولها قلمها ولها لهجاتها ولها تراثها من شعر ومن نثر. ولما اختلطت قريش بالتجارة مع جيرانها تداخلت اللهجات وتلاقحت وتكونت لغة مثالية للشعر والخطابة والدين هي لهجة قريش؛ آزرها المال والبيت المقدس وما كان لقريش في قلوب العرب من إجلال؛ فكانت المهرجانات الأدبية في مكة وحواليها في أسواق عكاظ وذي المجاز وغيرهما أسواق أدبية وقضائية وللنسب والإنتساب. يعني صارت قريش حاضرة وكيان ولغة جامعة. صارت لهجة قريش لغة الشعر وأسلوبه بل ومحكمو الشعر فيها وبعضهم منها .. فذهب الشعراء ينظمون على القرشية وأنتشر شعرهم إلى كل مناطق العرب بلهجة قريش ، القبيلة المقدسة ...


كذلك الأمر مع أدب لحج وطربها. ليس القمندان مخترع ذاك التراث اللحجي الثرّ الذي عمره آلاف السنين ، بل هو جامعه وناشره، أعانه على ذلك المال والسلطة حيث ظهرت في لحج دولة حضارية، أسهم الإنكليز في تثبيتها. في حين بقيت القبائل المجاورة المنعزلة تدور حول نفسها دوران الجاهلي الأول حول الوثن.
كان القمندان مجدداً لتراثنا ومُضيفاً إليه، ومثله فعل سُبيت وغيرهما .. وحين جاءت ثورة ودولة الجنوب اعتمدت على موروث لحج بنسبة 80% واستخدمته.

قبل القمندان هناك طرب وأدب ويكفي أن نعرف أن للحج وحدها أكثر من 20 إيقاع ، وليس لبلد في كل المسكونة مثل هذا ؟ ما يعني أن للتراث امتداد بعيد يرقى إلى كيانات ما قبل العصر الجاهلي. في كل هذه الغوشة لحجٌ وواديها تبن.

باختصار: حين تكون هناك دولة وعلى رأسها أهل علم ومعرفة تزدهر الثقافة ويكون الفن عنوانها. يتفرغ العارفون لجمع التراث والإهتمام به وتجديده؛ لأنهم يدركون أن الفن - كما قال ابن خلدون - آخر ما يبنى من العمران، وأول ما يسقط بسقوطه .. يعني: تكون الدول تبني حضارة لقرون فتهجم عليها القبايل وتهدمها في ليلة أو ثنتين. وهكذا، حين يتربّع القبيلي سدّة الحكم فلا تكون دولة ولا فنّ؛ لأن وطن القبيلي بطنه.
.
.
* الصورة: معلمي في الإعدادية عبد أحمد الدربي على الكمان وهو والد الطبيبة أريحا، وعلى العود معلمي العزف على آلة الكمان الفنان أحمد فضل ناصر.