كلمات ولحن وغناء: الأستاذ محمد سعد صنعاني وعبود زين
ظلّت الأغنية اللحجية زمناً ترفل مزهوّة في ثوب (شيناوي) قمنداني بديع كذاك الذي اشتراه العبدلي لصاحبته (عيشة):
تقول عيشه تبأ الاّ ثوب شيناوي وعقده زين * يا مَن يبأ عند عيشة يدفـع الألفين
ولكن من القديم ما لا يعتق .. وهذه أغنيتنا اليوم تلبس على أيدي محمد سعد واخوته "السعداء" الآخرين ( وِيْلاً ) جديداً شفافاً مشجّراً ، ألوانه تسرّ الأذن والعين والخاطر.
ولما رأى (أبو عبدالقوي) أهل بلدته، بكل موروثهم الثّر، منطوين على أنفسهم، يخبطون في العفوية والمحلية، قد مسّهم التحنّط بشرّه، ينظرون إلى الوراء، خشي أن يمسخهم الله أعمدة من ملح كما فعل بامرأة لوط، فهبّ يعلمهم التدوين الموسيقي (النوته) كي يُسمِعوا العالم ما أبدعته الروح اللحجية الحالمة من فنّ، ومن شعر ، ومن فكر، وليتدربوا على طعم فن الآخر والتطعّم به؛ لأن التطعيم خير الوسائل لترقية الأنواع.
وكانت للصنعاني درايةٌ كافية باللغة وصرفها ونحوها. ما كان، رحمه الله، يلحن في القراءة أو يتقرّأ في اللحن. إذا غنى الفصيح سعدت الفصحى بغُنائه وغِناه. مكّنته معرفته للغة وأسرارها من إتقان اختيار النصوص، وقادته نفسه الشاعرة وبصيرته بخوافي الكلم إلى خلق الروائع.
أما في اللحن فدونك رائعة عبدالخالق مفتاح "بالعيون السود" التي قرأها الصنعاني موسيقياً فكانت درّة فريدة انتظمت في عقد الغناء اللحجي، تحلّت بها العواطلُ الحسان، وكانت (لَبّةً) على صدور بنات (لِحْسان)، وازدانت بها العمامة العبدلية. وأما من حيث المقدمات الموسيقية فيكفي أن أدلك على "لوعتي"، وأخواتها كثار.
وفوق ذلك حبا الله الصنعاني صوتاً أسراً فيه شجىً وشجن حلوٌ نادر، وفيه صفاء ماء السماء، وموسيقية ابن كلثوم، فجاءت ألحانه وأغانيه كأنها الشهد المصفى ــــــ بكشفه للثام يكهربني دوام
بكشفـه للــثــامْ * ونظـــرة وابتسامْ
وهــزات القوام * يكهــــــربني دوام
* * *
صدفته واستقام * وأشّـر بالســـلام
ولم يبــدِ كــــلام * خشي أهل الملام
* * *
عيونه كالسهام * لها فعــل الحسام
وفي خـدّه وشام * يزيّـــــدني غـرام
* * *
على خصره حزام * وفي ثغــره مُدام
لعـب بي دام دام * وعرّفني الهيـــام
ــــــــــــــــــــــ
الملحن والمطرب: محمد سعد صنعاني ( 1920 ـ 1991 ). ولد في مدينة الحوطة بلحج في أسرة فنية. اشتغل معلماً في المدرسة المحسنية بالحوطة، ثم مدرساً للموسيقى بإدارة الثقافة بلحج بعد أن درس أصول علم الموسيقي بالمراسلة مع (معهد عرابي) بمصر ونال شهادة تفوق. هو شاعر ومغني وملحن ورائد في وضع المقدمات الموسيقية للأغاني، وحذف ربع التون .. ألحان محمد سعد متميزة تنحو بالأغنية اليمنية عامة واللون اللحجي بشكل خاص نحو التجديد. من اشهر ألحانه: (بالعيون السود) للشاعر عبد الخالق مفتاح ،(ولوعتي)،(جاهل زين)،(يا نجوم الليل )، (يا اللي وعدت القلب) و (هاتها بالله هات) و(يا شاكي غرامك).وكان شاعراً مرهفاً ينحو لفظه نحو الفصيح؛ ومن قصائده المغناة: (بكشفه للثام)،(مع النسنوس والبردة)،(قل للذي أمسى بلحظه آسرى) و (مسكنك قلبي دلى به) و (ردد التغريد). توفي في حوطة لحج عام 1991م. نشرنا عنه بصحيفة الأيام مقالة: (الصنعاني .. فم الطرب).
المطرب: عبدالكريم عبدالله توفيق. من مواليد مدينة الحوطة لحج عام 1946م. يتحدّر من بيت فني فأبوه (عبدالله توفيق) مطرب معروف، وخاله الفنان (هادي سعد). أُلحِقَ كريم بالندوة الموسيقية اللحجية في العام 1958م صغيراً فتعهّده كبار مطربي لحج وشعرائها. كذلك شجعه على الغناء أستاذاه: الفنان حسن عطا الذي ألحقه بالندوة الموسيقية اللحجية إبان قيادة الموسيقار فضل محمد اللحجي لها، ومحمد سعد صنعاني الذي أعطاه عدة ألحان نال بها شهرة. غنى من ألحان الصنعاني: (بالعيون السود) كلمات مفتاح، و(لوعتي) كلمات سالم باجهل، وأغنيتي: (يا قلبي الجريح) و(بداية الحب نظرة) من شعر صالح نصيب ولحن الموسيقار فضل اللحجي، وسجلهما في الكويت عام 1964م. عبدالكريم توفيق صوتٌ شجيّ مُطرِب، فيه مَدٌّ وامتدادٌ وسحر، ينثال حِلّ الغناء كشلالات جحاف ، وفيه تكسرّات موج صيره والغدير. صوت بعيد الغور اتساعاً وارتفاعا، وفيه حنانٌ تَمُوجُ فيه الجراح آهاتٍ وآهات .. يتميز بإتقان قراءة النص وحُسن أدائه وجدّيته وعلى أدائه يُعتمَد في تدوين الأغنية اللحجية والإنطراب لها. نشرنا عنه بمجلة الثقافية مقالة: (كريم .. سلطان الطرب اللحجي).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أغنية ( بكشفه للثام ) كلمات ولحن وغناء: الأستاذ محمد سعد صنعاني 19
أغنية ( بكشفه للّثام ) كلمات ولحن : الأستاذ محمد سعد صنعاني، غناء: عبود زين 54