شريط

8‏/8‏/2014

أدب لحجي: من نثر القمندان

                       وداع دارالهندي أكبار

مقالة فصل الخطاب للقمندانفي الحرب العظمى الأولى (1914 ــ 1918) دخل الأتراك لحجاً. أصيب السلطان العبدلي فخرج إلى عدن ومعه حاشيته وكثير من أهل لحج ومن ضمنهم الشاعر الأمير القمندان. كانت عدن يومذاك مستعمرة بريطانية اقتطعتها حربة القبطان هينس من جسد السلطنة العبدلية سنة 1839م.

استأجر الشاعر داراً صغيرة في كريتر/ عدن من هنديٍّ يدعى (أكبار ــ Akbar)، وهناك كتب هذه المقالة. نوردها ليتعرف القارئ على نثر القمندان وأسلوبه وأسلوب النثر المتبَّع في عصره. ونذيّل المقالة بقصيدة / أغنية نظمها القمندان  في الأحداث وصدرها بعبارة:  "في سنة 1333هـ/  1914 م عندما بدأت حملة علي سعيد باشا وأعوانه على لحج" . نورد الأغنية بصوتي المطربين: فضل محمد اللحجي وفيصل علوي.

الأتراك يجرون مدفعهم باتجاه الشيخ عثمان2

 

القمندان9أعوذ بالله من النار ، ومن غضب الجبار ، ومن بيت الهندي أكبار. اليوم أذن الله ورسوله أن نخرج من دار أكبار ، بعد أن ضاقت بنا عدن ، فعزّت البيوت ، وأُرغِمنا على سكن ذلك البهموت ، الذي حمل مصائب الأرض على قرنه ..

لبثنا في مزبلة الأباليس ، وينابيع الكنيس ، وخزانة الهم والوساويس ، فيك يا بقايا أبنية بلقيس ، وحبس الجواسيس ..

أما الآن يا دار ، فقد حان الفراق بيني وبينك ، وسوف لا تراني بعدها عينك ، فهاأنذا أطوي الفراش ولا بد لك يا دار من فراش .. إنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ، فإنك لست من ديار الدنيا بل من ديار الآخرة. وا رحمتاه لساكنيك ، ما أصبرك عليهم وما أصبرهم عليك . أنت أيها الأثر القديم ، يهزك النسيم ، ويرعدك الصوت الرخيم. مَن ينسى دموعك التي كانت تسيل كلما درّت السماء ، فكأن سقفك سحاب يخرج الودق من خلاله فيكتب على جدرانك أنك أقدم من الأهرام ، ومعاصر الأنبياء عليهم السلام. أنت من قبل آدم من مكتشفات علماء الجيولوجيا، كنت مدفوناً في طباق الأرض قبل وجود الإنسان فأخرجك الله ذكرى للأولين وعبرة للآخرين.

هذا من حسناتك التي لا تحصى ، ومناقبك التي كعدد الحصى ، فلو كنت أنت الخير فإنَّ حب الخير شديد ، فلابد لنا من منزل جديد يناسب تفصيلة ذوق العصر، فإنك من بناء عبيد التبابعة ولا فخر.

فلقد رفعناك حتى مللنا ، ونظفناك حتى تعبنا ، فما زادتك النظافة إلا فظاعة ، وما زادك الترقيع إلا شناعة ، فلم نترك جصى إلا جصصناك به ، ولم نعثر على كلس إلا بيضناك به ، وأنت لا تزداد إلا سواداً يا بيت الأجداد ومنزل إرم ذات العماد. من ذا الذي يتجاسر فيسمي خشبك روشان وحجارتك بنيان وكهفك ديوان وساكنك إنسان ، يا عدو الهندسة ومهندسك شيطان ، وسكناك جنون وسكانك جان. كنت في أول عهدك بيت المعسرة ، وأنت الآن مقبرة ، ولسوف يأتي عليك عصر تغلق فيه أبوابك ولا يسكنك بشر ، وحينذاك ملكتك سلّمتك لليهود يحرقونك يوم عيد (فوريم) مع تمثال هامان ، أو يجعلونك حبساً لجن سليمان.

قصر العبدلي بكريتر

الوداع يا عدو البشر ، الوداع يا بيت الهم والكدر ، الوداع يا بيت الأمراض والحميات ، الوداع يا مصيبة السموات ، الوداع يا بيت يخرج منه سكانه كأنهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة. فوالله إني لا أريد أشطط في ذمك فأكون ظلوماً ، ولا أقصّر فأكون مظلوماً ، وقد كان دخولي فيك فلتة لن أعود لمثلها فما أسرع أن ندمت عليها ، ولكن أقعدني فيك الاضطرار لا الاختيار ، وفارقناك كأنما خرجنا من النار وبئس القرار. فإياك أن تضايق الخلف كما ضايقت السلف ، فعما قريب سيغادر الأتراك لحجاً بل اليمن ، وسيهبط سعر البيوت في عدن، بعد خروجنا منها ذلك أول أيام آخرتك ، وآخر أيام دنياك. فلا يسكنك بعدئذ إلا قتيل بعلّة ، أو مصاب بخلل في عقله ، فقدم لنفسك حسنات إنّ يومك على الأبواب ، وسترى تصفية الحساب.

وخير ما يختم به المقالة ، وتحصل به الجمالة ، ندعي الله لك أن لا يبلي بك مسلم ولا يعاقب فيك إلا ظالم ، فما أنت أهل لتكون محل تحميص المؤمنين. وأن يمد الله عمرك لكي تشهد يوم القيامة كما شهدت أول الخليقة ، فإذا أخرجت النار من قعر عدن فاسبق إلى ميدان الحشر ليجعلك الله طبقة من طباق جهنم !!!

  ــــــــــــــــــــــــ

*) بالإضافة لهذه المقالة نشر القمندان ثلاث مقالات هي: (فصل الخطاب في إباحة العود والرباب) و(لمن النصر اليوم، لسبولة البكر أم لطبول المجاذيب) و (الخزائن المطلسمة).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

imageأغنية ( طلبنا الله ) كلمات ولحن: الأميرأحمد فضل القمندان ، غناء: فيصل علوي 22

imageأغنية ( طبت يالمضنون ) كلمات ولحن: الأميرأحمد فضل القمندان ، غناء: محمد علي الدباشي