الوادي الفياض من طرائف نوبة عياض ج2
شمس الـ ( LBC )
مش من معاها حب قالت أني نسّانه
--------------------------------------
عرفت قريتي التلفزيون في السبعينات، عندما عاد محمد بن سعيد الفقيه من مهجره في تنزانيا وابتنى منزلاً ودكاناً كبيراً على حافة (عبر الدكاكين). جاء بتلفزيون يعمل ببطارية السيارة وكان يشغله مع السادسة مساء ويتجمع شباب القرية عنده للمشاهدة ..
وفي 30 نوفمبر 1980 أدخلت الكهرباء إلى نوبة عياض، واشترى أغلب أهل قريتي جهاز التلفزيون .. وذاك ابن جاري الطفل (أحمد الجرو) يقول لي بفرح: "يا جمال .. أبوي اشترى لنا طربزيون" .. وكنت ترى الصبية على رؤوس (المرابع) يتفقدون الهوائي (antenna) وخاصة وقت برنامج (تيليماتش) الألماني ، وكان البث بالأسود والأبيض من الرابعة مساء حتى الثانية عشرة ليلاً. وأتذكر أني ابتعت من منطقة (غريّب) بطور الباحة ــ كنت مدرساً في ثانويتها العام 1982 ــ مقوّي للإرسال وربطته كي نشاهد قناة صنعاء ..
لقد عشنا وضحكنا زمناً مع إسماعيل يس الذي مسح اسمه عناوين أفلامه ، وامتلأت عيوننا وذاكرتنا الجمعية بحسناوات السينما المصرية: فاتن حمامة وشمس البارودي وسهير رمزي ونجلا فتحي حتى حسبنا أن ذاك كل الجمال ..
ولما صار البث ملوناً ابتعنا أجهزة جديدة .. وطاب السمر للسامرين.
ثم جاء البث الفضائي عبر الأقمار الإصطناعية والرسيفر و"أشرقت شمس الـ (LBC) وتغيّر كل الموضوع" .. صرنا نشاهد العالم بالألوان .. وصار الناس يتابعون بشغف تلك القنوات التعج بالجمال والنور اللبناني، وسال البردّوني والليطاني بالمستنيرات الحسان ..
وأمسى أهل حافتي يسمرون على الديش الملون .. ويسمر الشيخ أبو سنعوف متكئاً في دكّة داره الكبيرة على السلقة وحوله ولديه ونسوانهما وجاراتهم ، والجميع ليلاً تحت شمس الـ (LBC) الساطعة .. ومن تلك (السحّارة) العجيبة تطل على المشاهدين المركّزين والمشاهدات المشدوهات ألوان من المعرفة والجمال اللنناني السحّار .. و"ما إلك إلا هيفا"ــــ عاشت بنت الحداد!
لقد استحوذت لبنان على النصيب الأكبر من المشاهدين وخطفت الـ (LBC) المشاهدين وتخطّفتهم متعة وفائدة ، جمالاً وفناً ودراية .. وأم سنعوف موسّحة أمام القناة ..
وذات ليلة وهي تشاهد طابوراً من جميلات لبنان لفتت نحو نسوان عيالها وصرخت:
ــ ألا حنين أمك وا بو سنعوف!
ألا شوف وابو سنعوف شوف ، شوف النسوان .. مش من معاها حُبْ قالت أني نسّانه " ..
فرد أبو سنعوف ضاحكاً متأوهاً: " آآه يا انسانه .. من شاف دار الدولة هدّد عشوته" ..
وضج الحاضرون بالضحك ..
-----------------------
• محمد سعيد الفقيه: هو أخو صالح وهاجرا إلى تنزانيا وهاجر أخوهم عبدالله الفقيه، فقيه قريتنا، إلى مكة وصار هناك مفتي الديار، وزعيم للمدرسة الصولية .. وهم أخوال ياسر محمد سالم عزيزعياض. ثم اشترى الدار منه مهدي عكاشة ــ رحمة الله عليهم جميعاً.
• المرابع: غرفة البيت الأساسية نسميها مربّعة. الدكّة: فناء داخل الدار يبقى بلا سقف يسمرون فيه. السلقة: الحصير من العزف .
• نسّانة: أي إنسانه وهو ما يطلقه اللحوج على المرأة المتزوجة، ويكنى بها عن الزوجة التي تكون ملء بيتها جمالاً وشخصية وحيوية.
• السحّارة: ويكتبها اللبنانيون (الصحّارة) ، لحجية وهي صندوق من خشب تحفظ فيه الأشياء الثمينة ؛ الشنطة؛ كحقيبة السفر. موسّحة: وسّح جلس ومدّ رجليه
* عشوته: عشّه