الوادي الفياض من طرائف نوبة عياض
الأستاذ رِيْض وإبرة باقميقم
خضر أحمد الحاج واحد من (مجاورة) قريتنا. كان من أوائل المتعلمين .. ثم اشتغل بالتدريس فكان معلمنا في الإبتدائية، وكان يدرّس وقت العصر دروساً إضافية للتلاميذ في منزل (عُبيد خُضر) الذي وراء بيت (فضل بامِرحله الحضرمي).
كان خضر معلماً جيداً ، نشيطاً متحمساً يحب عمله، ويسعد بمساعدة الآخر؛ وتلك كانت سجيته حين صار رئيس لجنة الدفاع الشعبي. كان مصلحاً اجتماعياً مستنيراً ومحبّاً، متزناً غير متطرف. وكان معلمي ، على جدّيته، يحب الطرب والجلسات العامة وتستهويه النكته والتعليقات الساخرة وقد ربطته مع (عوض محمد عبود فراش المدرسة المعدود) زمالة العمل وأحب روح عُبُود المرحة .. كما ربطته صداقة بالسيد عبدالله عبدالجبار المساعد الصحي الملقب (باقميقم).
كان السيد عبدالله عبدالجبار مساعداً صحياً في مستشفى الحوطة ثم انتدب للعمل في مستشفى الضالع وهو فني تخدير جيد .. وبعد مضي عدة أيام ينزل من الضالع بالبنطلون والشنطة على كتفه ومحملاً بالقات ليقيّل عند صديقه الأستاذ خضر.
وفي إحدى نزلاته من الضالع طرق باب خضر فاستقبله فإذا هو يقول:
"وراك يا إستاد خضر هكذا تعبان .. الناس سمنت وانتفخت وأنا أطلع وانزل وأنته مكانك يابس" ..
أحابه: وشو تباني صلح يعني جيب بمب وانفخ نفسي؟!
قال: لا يا خوي، أنا قلبي يحرقني عليك ، وأنت دايماً ببالي؛ شعني جزعت لك دواء اللي يسمّن".
خزنا من ذولي .. وأخرج المساعد الصحي من شنطته حبتين وناولهما لخضر قائلاً: "أول اشرب ذولا الحبتين، وبعدين الإبره ".. شرب خضر وانتظرا بضعة دقائق ثم أخرج الإبرة وضربها في عضل الأستاذ النحيف ..
بدأ خضر بذولي قات ثان .. وبدأ مفعول الإبرة يشتغل : شعر خضر بدوار .. وشعر بشفتيه تكبران .. ثم احمرّ جسمه وظهرت بقع حمراء على وجهه ويديه .. سأل أيش هذا يا عبدالله؟ قال له: أنته بس (ريض) خلي الدواء يتفاعل .. ريض .. و"ريض" هي كلمة خضر الأثيرة التي لا ينفك يرددها كل حين ومعناها (إهدأ)..
ثم اندلق لسانه إلى خارج فمه ..
شاهد باقميقم حال صديقه .. فقال له لا تخاف .. باروح للبيت وبا ارجع لك .. فقام خضر "يسبّره" إلى خارج البيت .. فداخ ووقع على الأرض حتى سمع أهل بيته ارتطامه .. وارتعب باقميقم وهرب ..
حمل أهل البيت الأستاذ إلى الداخل وجاءوا له بالطبيب فضل قائد يماني الذي أعطاه إبرة ألغت مفعول الأولى .. وطار الشر أبطأ من طيران السيد ابن عبدالجبار ..
ولطالما ضحكا وأضحكانا بمثل هذه المقالب والطرائف بقلوب وأسنان بيضاء صافيه.
رحمة الله على معلمي الحبيب خضر ورضوانه، والعافيه والسلامه والسلام للسيد باقميقم وفضل قائد!
----------------------
* المجاورة: ج مجَوَّر وهم نقائل من شبوة سكنوا نوبة عياض في القرن الماضي
• ذولي: بضعة أغصان قات. يسبّره: يرشده لطريق الخروج من البيت