الدان ضرب من ضروب الأدب مثله مثل الزجل والقوما والعتابا والمواليا، بل لعله يشكل الأساس لها جميعها. إنه أصل الغناء الثقيل عند العرب. ومن الدان اللحجي ما تركه لنا القمندان في بعض أغانيه وأقوال لعبيد محلتي وورثته. وللدان اللحجي، كالحضرمي، قواعد في النظم مرعية ، وله شروط في الأداء صعبة؛ فمثلما يؤْثِرُ الشعراء تجنّب النظم على وزن الدان، يتحاشى المغنون أداءه لصعوبته ؛ إذ هو يتطلب حنجرة سليمة لا خدش بها. أما موضوعه فالبكاء والشكاء من هجر المحبوب واستعطافه، وإرسال تلك الشجون مع الطير الصارح الصادح حتى دُعيَ أهم ألوان الدان اللحجي:" واطير"، وهي البادئة التي يُفتتح بها نص الدان. ويماثل الدان ( الكان وكان) في الوزن والموضوع، وهو يشبه (الدوبيت) الفارسي وخاصة في نوعه الرابع المعروف بالرباعي المرفّل الذي يشترط في شطره الثاني أن يتركب من جزأين. وإذا كان الدوبيت يشترط أن يتركب هذين الجزأين من فعلن فعلن، فإن الدان اللحجي يشترط البناء على بحر البسيط. وقد كان زعيم الدان اللحجي على عهد القمندان من المغنين: المطرب والملحن ( فضل ماطر بِجَبل عقربي) وكان يعزف على القمبوس وهي آلة وترية قديمة. وجاء بعده هادي سعد النوبي خال الشاعر عبدالله هادي سبيت، ثم (صابور ناصر) خال الفنان فضل ميزر، واستقر مؤخراً على حنجرة فيصل علوي وحسن (المهنا) وآل سيلان عبد ومحمد وسعيد وعبود زين. ومن الشعراء عبيد محلتي وورثته وعبدالله البقعي صاحب الفيوش وصالح الدميح.
شكلّ الدان اللحجي وعاء لبث شكوى الشاعر وترديد آهاته وأناته وسماع رجْع مواجعه ، وكسراته ألوان.مثال (وا طير) في أغنية القمندان: (يا طير كف النياح) وقول صالح نصيب:
شمسان كلّمْ غزالكْ بس يترفقْ / ما فائدة في الحنقْ / واحنا لنا ماضي أسبق
كنا سوا في الحُسيني جنب ذاك الشَّقْ / أنا وأنتَ سَبَقْ / نتبـــادل الـود بالحق
وله تنويعات منها ما نظم على وزن (يا مرحبا بالهاشمي) ووزن (ليه الشجن يا خاطري با يصلح الله كل شان)، و(يا غصن في البستان شبيه الضيمران) ووزن (يهناك طيب المحبة يا وُرِشْ يهناك) وفيه يقول القمندان:
يهناك طيب المحبة يا وُرِشْ يهناك
مَن علّمك يا قليبي لا غابت الشمس تسهر
ليه با تقهد / على الحَسين المرغدد
لا انته تُبأ الزين يسلى داري الهوى فيه واصبر
عيب تتحرَّد / فكّ الكَمَرْ طرِّفْ البَد
نورد هنا مثالاً لدان (يا طير) كلمات عبدالله بُقعي وبصوت المطرب اللحجي حسن عبدالله علي (المهنا) صاحب (بئر أحمد) كان سجله كمقدمة لمسلسل ( شروا ) الذي أذيع من إذاعة عدن ، وكانت بطولته للثنائي اللحجي الجميل: محمد قائد صالح ولول نصيب.
ذكرتْ أنا يا سُليمى الدان والخــــلانْ
وشبّتي ذي زمـــــان / ما حَـــدْ كما حبنـا كـــان
لاقيت في عشقتي كأس الهوان ألوان
ما شي كشفها الزمان / وما خفي اليوم قد بان
. . . . . . .
نسّيتْ قلوب الحسان / همـــــومَهـا والذي كـان
ونورد مثالاً للون ( يا غصن في البستان ) من شعرعبدالله هادي سبيت بصوت المطرب مهدي درويش على عود سبيت كما ورد في برنامجه الشهير عن القمندان بإذاعة عدن. يقول عبدالله هادي:
يا غصن في البستان شبيه الضيمران
بكّـرْ غبش خـدّهْ من الغـــالي ملان * وردي وأبيض كم وكم جـــاب الجنان
سألت هـذا ويـن كـــان ما شي يبان * قالوا لي ما تختص ولا لك فيه شان
جـــوّبتْ: هذا حُسْـنْ وانا ترجمـــان * والفكر هو بس للجمـال شاهد عيان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر: عبدالله محمد البُقعي: من مواليد قرية (الفيوش) ـ لحج. شاعر غنائي ورجل متعدد التخصصات. درس الإبتدائية والإعدادية بلحج، والثانوية والجامعة في القاهرة ـ مصر وتخرج (بكالوريوس فنون جميلة). ولديه أيضاً (دبلوم الكترونيات)، و(بكالوريوس زراعة). سافر إلى اليابان وبريطانيا والكويت والولايات المتحدة الامريكية ملتحقاً بدروات تدريبية…
خلال دراسته في القاهرة التقى بالمطرب عبدالرب إدريس وشكلا ثنائياً رائعاً فغى له إدريس حوالى 18 أغنية منها: (يا حب يا غالي علينا) ، (تعبنا والتعب راحة) و(عشقنا) و (غيرك ما لنا محبوب) ... كذلك غنى له بلفقيه أغاني منها: (حجة الغائب معاه) و ( احنا مع الليل با نسهر ) وغيرها.
المطرب: عبد سالم سيلان. من مواليد قرية (طَهرور) مديرية تُبَن محافظة لحج. وهو من أسرة فنية منها أربعة مطربين مشهورين هم: عبد سالم ومحمد سالم (رحمه الله) وسعيد سالم وابن عمهم فضل مسعود سيلان. يتمّز عبد بصوت رخيم شجي فيه عفير الوادي الصغير ؛ وهو مثل أخيه سعيد يمارس الطرب هواية، وحضورهما في الحفلات (المخادر) والمسارح مرغوب لأدائهما المُطرب وتسلطنهما في أداء صوت الدان اللحجي بوجه خاص. من أشهر أغانيه المسجلة بالتلفزيون عدن: (غنت على البانة) و( سال لحسان) للقمندان، (ليت الهوى بالسوية)لعبدالله هادي سبيت ، و(ابن الهوى يا غبونه).
المطرب: حسن عبدالله علي الملقب بـ(المهنا). من مواليد عام 1945م بالحديدة. مغني من بلدة بئر أحمد. مطرب ومؤدٍ جيد لصوت الدان اللحجي. من أجمل أغانيه (يا المحبين) من كلمات ولحن الأمير عبدوه عبدالكريم العبدلي، وأغنية (سيبوه) ،(كفى يا قرة العين) من لحنه وكلمات أحمد سعيد دبأ ؛ ومن أحلى داناته (دان وا طير) الذي أداه مقدمة لمسلسل (شروا ) لإذاعة عدن من كلمات الشاعر الغنائي اللحجي عبدالله محمد بقعي .. وله أغاني إذاعية وتلفزيونية أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دان ( ذكرت أنا يا سليمى) كلمات: عبدالله البقعي اللحجي ، غناء: حسن عبدالله علي