من جمال لهجتنا اللحجية
(3) الوقر والتوقير
--------------------------
قال تعالى في سورة الأنعام الآية 25:
(ومنهُم مّن يستمِعُ إِليكَ وجعلنا على قلوبهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْراً، وإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنوا بها حتى إِذَا جاءُوكَ يُجادِلونَكَ يَقُولُ الذِينَ كَفَروا إِنْ هذا إِلّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ )
قال ابن كثير: " أي : يجيؤوك ليسمعوا قراءتك ، ولا تجزي عنهم شيئاً ; لأن الله جعل على قلوبهم (أكنة) أي أغطية لئلا يفقهوا القرآن وفي آذانهم (وقراً) أي : صمماً عن السماع النافع."
وفي سورة فصّلت الآية 5: (وقَالوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تدعونا إِليهِ وفي آذَاننَا وَقْرٌ ومن بيننا وبينكَ حِجَابٌ فاعمَلْ إِنَّنا عامِلون).
والآية 44: "ولو جَعلنَاهُ قرآناً أَعْجمِيّاً لقالوا لولا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ، أَأَعْجَمِيٌّ وعربِيٌّ قلْ هُوَ للذين آمَنُوا هُدًى وشفاءٌ ، والذِين لا يؤمِنُونَ في آذَانهِمْ وَقْرٌ وهو عليهِمْ عمًى ، أُولئك يُنَادَونَ من مكانٍ بعيد."
قال الطبري: " حدثنا بشر عن قتادة (والذينَ لا يُؤمنونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وهوَ عليهِمْ عَمًى (عموا وصموا عن القرآن, فلا ينتفعون به, ولا يرغبون فيه. وعن السديّ ( والذينَ لا يؤمنونَ في آذَانِهِمْ وَقْر)ٌ قال: صمم، وهوَ عليهِمْ عَمًى قال: عميت قلوبهم عنه. "
وقال الطنطاوي: " فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ أي في آذانهم صمم عن سماع ما ينفعهم."
وفي القاموس المحيط ومختار الصحاح:
وقَّر الشّيخَ : أكرمه ، عظَّمه وبجَّلَه وقَّر مدرِّسَه ،
وَقَّرَ الشيءَ : جَعَلَ فيه آثاراً
الوَقْرُ : النُّقْرَةُ تكون في الحجَر والعظْم والعين
قلت :
في لهجتنا اللحجية نقول: وقّرتُ المطحنة ، وقّرتُ العالي، فالتوقير: تعني إعداد المطحنة (الرحى) بنقرها بحديدة حادة تسمى (الوَيْسَك) وذلك لتطحن الحبوب بشكل جيد، وكذلك توقير (العالي) وهو القطب الحجري الذي به تطحن الحبوب على المطحنة.. ومعلوم أن توقير المطحنة بالنقر عليها بالويسك يصدر ضجيجاً عالياً. ومن هنا فإن الوقر تعني الضجيج الذي يمنعهم من سماع صوت الحق.
ومن هذا الفعل جاء معنى التوقير بمعنى الرجل الذي نقرته السنون وكاثرت خبراته فصار موقّراًً أي حكيماً محترماً، على غرار (المثقف) من تقيف الرمح أي الذي قوِّم اعوجاجه.
الثِّقَافُ ما تسوى به الرماح و تثقيفُها تسويتها ، ثقَافُ الرِّمَاحِ : أَدَاةٌ مِنْ حَدِيدٍ أَو خشبٍ تُقَوَّمُ بِها الرِّماحُ وتُسَوَّى. ثقَّف الشيءَ : أقام المُعوَجَّ منه وسوّاه، ثقّف التّلميذ: أدَّبه وربّاه ، علّمه ودرَّبه ، وهذَّبه.
وتأتي كلمة (الوِقْر) في اللهجة اللحجية بمعنى (الحمل الثقيل) فنقول: "تحملت وقْر حطب. وبهذا المعنى وردت في التنزيل العزيز: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا . فَالْحَامِلاَتِ وِقْرا ) . ونقرأ في كتب الأدب كلمة وقر بهذا المعنى أيضاً: "إنّ مفاتيح كنوز قارون وقْر ستين بغلاً محجّلة "
في المعجم الوسيط:
الْوِقُرُ: الحِمْلُ الثَّقِيل . والجمع : أَوقارٌ.أوقرت النخلة : صار عليها حمل ثقيل. 2 - أوقر الدابة : حمّلها حملاً ثقيلاً . 3 - أوقره الدين : أثقله .
قال ابن كثير أنَّ الْمُرَاد بِالذَّارِيَاتِ الرِيح وبِالحاملاتِ وِقْرًا السَّحَاب.
رمضان كريم
د. ج.س ــ 25 مايو 18