من سلسلة قرأت لكم :
((د. جمال السيد في كتابه الفريد .. حكمي وعاميون))
بقلم: كمال محمود اليماني
------------------------------
منحني العزيز محمد سالم زين عدّس فرصة أن أقرأ كتاباً للأديب د.جمال السيد بعنوان (حكمي وعاميون)، ود. جمال السيد وإن كان متخصصا في أدب اللغة الإنجليزية وأستاذاً لها في الجامعة، إلا أنه يتميز باهتماماته الأدبية والموسيقية أيضاً، لاسيما مايتعلق منها بالفن اللحجي .
صفحة الغلاف تريك بعضاً من معالم قديمة واسطوانة جرامافون، وهو أول مايستقبل ناظريك وأنت تحمل الكتاب بين راحتيك؛ فتلج إلى عالمه الأدبي والطربي منذ أول وهلة، واللوحة التي حملها الغلاف إنما هي لوحة فنية للدكتورة هناء عبدالخالق المحاضرة في معهد الفنون الجميلة /الجامعة اللبنانية، وهي بعنوان (ولادة لحن) 2014م.
الكتاب يقع في 150 صفحة من المقاس الكبير، ورأى كاتبه أن يهديه إلى أختيه فاطمة وكفاح لسبب أخفاه عنا، وإن كان إهداء شجاعاً في بيئة لاتستمرىء مثل هكذا إهداء.
بين دفتي الكتاب تجد مقالاتٍ نشرها المؤلف منذ العام 1979م في الصحف والمجلات المحلية ، ثم جمعها في العام2018م، غير أنه أحجم عن طباعتها آنذاك، ثم رأى أن يخرجها في زي جديد وحلةٍ قشيبة بعد التعديل والتشذيب.
والحق أن الكتاب جدّ ممتع، وهو في ذات الوقت يحمل الكثير من الفائدة، والمؤلف، وإن تعرّض لكتّاب من خارج لحج كالعمودي ، وعبدالرحمن إبراهيم ، وعبدالله فاضل فارع ، والدميح من أبين، والشيخ جرز الضالعي، إلا أن النفس اللحجي طاغٍ فيه، ولاتكاد تملك القدرة على أن تنطلق من أسار الأجواء اللحجية؛ هذا إذا كنت ترغب في فعل كهذا ، وما أحسبك راغباً في ذلك إطلاقاً، فعلى الرغم من اللغة الادبية الرصينة المرصعة بالصور والتعابير الأدبية المميزة للأديب جمال السيد، وعلى الرغم من تناولاته النقدية المتمكنة والدالة على قدر كبير من العلم والمعرفة اللتين يتمتع بهما صاحبنا، إلا أنك تجد ذاتك محاطاً بالبساتين والأودية والعُبر ، تلتف حولك كل الروائح اللحجية بنسائمها العاطرة ، وتسبح في فضاء موسيقي وطربي يدفعك دفعا لتهز جسدك راقصا مع الأمير ، ومع المزارع الفقير.
تناول الكتاب جملة من الآراء النقدية في الأدب والشعر والموسيقى، وتناول أيضا مقالات وفاء لمبدعين رحلوا عنا إلى الدار الباقية، كالأستاذ عبدالله فاضل فارع، والحجيري واللبن وغيرهم.
والكتاب ثري بالفقرات التي حملت أدباً وصيغاً أدبية خالصة، يقول في ص 34:( فأتمت اليمن عرسها، وطلعت على الناس متوشحة بتواشيح صنعاء، ودان حضرموت بإذنيها قرطٌ بديع، ترفل في ثوب ذي أذيال مجرجرة من غناء عبدلي يخطف الأبصار ، ويأسر القلوب، ويفتن العقول).
وفي صفحة97تجد قوله:"تنثال الموسيقى الجرزية كشلالات جحاف فترى الماء خيوط نور، وتسمع خريرا بديعا، واصواتا تتداحن زاهية بالفرح فتصفق رغما عنك"
كما أنك تلمس روح الناقد المتمكن في ثنايا الكتاب، كما في ص 101، حيث يقول:(هكذا تتنوع القافية وتختلف الأوزان، ويقصر القفل ويطول بطيئا سريعا يتوافق وحال الشاعر النفسية، وتتجاور الحروف شديدة فليّنة، وتتدافع والقافية حتى المصب فتسكب انينا وقهرا وحزنا).
وكذا في ص 130حيث جاء قوله:" لايحفل ( أبو بدر) بالمجاز ولايعوّل على البيان والبديع، وإنما نظمه إنشاء معناه مقرون بلفظه، وغالباً لايتعداه إلى معانٍ اخرى، لاتجنيس عنده ولا استعارة ولاتورية ولاتضمين مقصود، بل نظم يجري عفو الخاطر، بسيط ومباشر كصاحبه، وفيه صدق كثير"
ولأن الحلو مايكملش كما يقول أخوتنا المصريون ، فإن الكتاب قد اعتورته بعض الهنات التي أرجو أن يتسع صدر الكاتب والأديب د. جمال السيد لها؛ فيفسح لي مجالا للتحدث عنها.
فثقافة الكاتب المعرفية قد ألهته عن أن يضع هوامش تبين للقارىء معاني بعض الألفاظ الواردة في ثنايا كتابه،فحسب أنها سهلة المعاني والدلالات لدى القارىء كما هي عنده، كقوله:يرقصون الكاثاك ، أهميسا، خيزفير، جديو وغيرها من الألفاظ التي تستعصي على القارىء.
وثانيها هو ورود بعض من الأخطاء النحوية المتناثرة هنا وهناك ، والتي وددت أن لو تنبه لها وعالجها قبل طباعة الكتابة الطباعة النهاية، وأنه أحال الكتاب إلى مراجع لغوي كعادة كل الكتّاب تقريبا؛ فالكاتب حال كتابته لايكاد يتنبه إلى أخطائه النحوية إلا فيما ندر.
وفي كل الاحوال فإن هذه الهنات لاتسيء إلى الكتاب في مجمله، إذ أنه قد تجاوز كل عيب يمكن أن يُلصق به.
وجدت متعة لاتضاهى وأنا أتجول بين صفحاته، وما أحسب أنني قد قرأت أو سأقرأ على المدى المنظور كتابا بجماله ومتعته وفائدته، فإن سنحت لأحدكم فرصة قراءة الكتاب كما قد سنحت لي فلا يفوّتها ففي فواتها فوات الكثير.
شكرا للكاتب والأديب الرائع د. جمال السيد الذي أتحف المكتبة اللحجية والعربية بكتاب قل أن نجد في المكتبات نظيرا له؛ فأنا أزعم أنه كتاب فريد في مجاله.
شكرا لجمال أرواحكم .
-----------------------
* مجلة "فنار عدن الثقافية" في عددها (13) نوفمبر 2022 ، قرأءة لكتابي "حكمي وعاميون" للكاتب كمال محمود اليماني .. شكراً لكمال وللمجلة ..