شريط

30‏/5‏/2023

القمندان .. نور الشعر ومرآته

 من كتابي: (القمندان .. الحاضر بمجمرة رومانسية)


-----------------
كان بروفروك اللحجي لا يجرؤ على أن يزعج الكون/ أن يطلب الحب؛ ليس لأنه ما كان ليجد من يحب، وليس لأنه كان يعاني من عقدة الخصاء، بل لأنه إبن مجتمع الأسطورة وانعدام النور . كان اللحجي لا يقدر حتى على المجاهرة بعشقه وهواه ، وكادتِ المرأة لا تظهر على المرأة ...
كظم اللحجيُّ حبّهً فأسقطه في ساحات الجذبة ، وما تردد أن ألقى بنفسه في الجب ... وقاد الكبتُ اللحجية إلى ساحات الزار ، والمزَوِّراتُ كِثار ..
بحث الرجال عن الخلاص فوجدوه في النار، فساروا عليها جمراً يشوي ، وبحثت النسوة عن السلوى فوجدنها عند (كردان وفَرْهُود والجرمي وأم عنقُود).. وخرجن ينفثنَ في العُقد، واتخذنَ من الشيطان وسيطاً بينهن وبين المحبوب فكدنَ يعدمنه إلى الأبد. فهل للحج من (عمر) آخر يدعو إلى النور والهوى ويحيل خزعبلاتها فناً فيقول:
خبَّروني أنها لي نَفَثَتْ * عُقَدَاً ، ياحبَّذا تلك العُقَد؟
بلى، فقد جادت لحج بالقمندان، وهوذا العبدلي يحيل معتقدات أهل بلدته وعقدهم شعراً ينقّي ويطهّر. ويبصّرهم بأسلوب العارف الواثق والرعوي الذي يراعي ذوق ومشاعر ومستوى فهم سامعيه ورعيته ، فلا بذيء لفظ ولا فاحش كلام. فهو لم يتخذ من الإمارة والسلطان وسيلة للمروق أو الخروج عن حدود الحشمة كما فعل الوليد بن يزيد على العصر الأموي، وما غابت عنه المروءة يوماً؛ قال:
فين الذي بايسحره ، باعطيه في فالج فلج *
أخاف يصبـح ساحــــره أسير عينيه والدعَج
وقاومت (طهرور) وأبي (النُّفَيلي) التخلي عن شعوذته، وحرم أهله من الماء ومن الهوى، وكان في الأرض جدبٌ، وكان في النفس خواء .. وخرجت النسوة وقت " السحور "، بكباش عور ، يقرعنَ في الصدور ، حاملات جعاباً ملأى بالبيض و الحلويات و التمور إلى راس الوادي لملاقاة (فَرْهُود) .. وازدادت الحالة سوءاً ، فكان على قومندان العساكر أن يتصرف ؛ فأصدر (أحمد) فرمانه السلطاني ، مجده الذي ترك فيناً دويّاً كأنما "تداول سمعَ المرءِ أنْمُلُهُ العشرُ "، قال :

حلال العشق لاهل الهوى وا مَنْ معه زين حبّه *
يسوِّي له قشاقش ولبّه
.
----------------
* نص من كتابي: (حِكَمي وعاميّون ــ مقالات أدبية وفنية) ص 53-55.
** نشرت المقالة بصحيفة (التجمع) الأعداد: (336) في 8 فبراير و (337) في 15 فبراير و(338) في 1 مارس 1999 ، ثم في جريدة (الثقافية) العدد (136) في 4/4/2002م .