كلمات ولحن: الأمير أحمد فضل القمندان ، غناء: الشاعر والملحن عبدالله هادي سبيت
المقام: جنس بياتي على درجة النوى ، الإيقاع: شرح لحجي ثقيل (سلطاني)
… ثم خرج ابن هادي سُبيت من لحج مرة أخرى ، بعد طول كد وكفاح ونضال ، غانماً غير سالم. فأما غنيمته فلم تكن الذهب الأبيض (القطن) الذي عشقه وطالما تغنى به وغنى له ، بل كانت (لكيداً) .. وهوذا يشكو ويئن ويتعلل بالصبر:
يا فؤادي كفـــــــاك النــوح ذا كل حين
إنَّ ذلّك ويـأسك قــــــد كُتب في الجبين
قـــــــــدمْ العمــــر يا قلبي لحبك رهين
واسهر الليل واردف دمع غالي سخين
إلزم الصبر والمولى مـــــع الصـابرين
سبى تير سُبيت سبياً .. سبا شعر سبيت سبيّ الماء حالاً على حال ولم يدرك غايته فاستحال دمعة تحجّرت عند باب المطلوب .. و"يومك لا جزع منّك با تشكره " ..
ومن مقلوب معاني لحج: الأرض ما بين واديين أو لكأنها المقابل العربي لـ (دلتا ــ dalta) .. فإذا الواحة الخضراء، التي عشقها وتغنى بها وجعل منها صوتاً أدبياً وموسيقيا وثورياً مدوياً، لا تتسع لاحتضان قلبه الرهيف الشاعر فدفن رأسه الحالم في "الحالمة" ومات بشيبةٍ باكيةْ.
كان ابن هادي في سوح القصيد وادياً لا يهدأ ؛ يتدفق ماؤه حاملاً طمياً وسماداً وحصى صغيرة كحليّ الغانيات يرسّبها قبل المصب فتشكل دلتاه الشعرية. هو ابن الدلتا وعاشقها الأمين .. فكانت وفاته في يوم ذكرى الأرض ..
-----------------------------------
غزلان في الوادي
غـزلان في الوادي يا سُعـد رعيـانه
ياليتني معهم با امـــرح عسـل نوب
يرعــون من تين الـوادي ورمـــانه
يا خــــاطري ما شـــانك ليه متعوب
حبّيت غــــــزلان الـوادي وفتيـــانه
حِسّ الكبـد من فرقة الظبي ملهوب
والقلب يمسي في شاغل على شانه
يا خـــــاطري ما شــانك ليه متعوب
يا قمـري الوادي ليه البكاء والنوح
خّليت قلب العاشق في الشجن دوب
ليه الجفـاء يا عيني يا حيـاة الروح
يا خــــاطري ما شـــانك ليه متعوب
مسموح فيما سَيْتَهْ يا وُرِشْ مسموح
والفضل لك سيــدي والعفـو مطلوب
حتى ولا من عينيك الكبـــد مجروح
يا خــــاطري ما شـــانك ليه متعوب
با اذلح لك الغالي لما تقول لي بس
با امسي على بابك والبرد سعبوب
وان خفت من اهلك بَسْري معك بالّدس
يا خـــــــاطري ما شـانك ليه متعوب
والصبح ذي اسفر والليل ذي عسعس
حــريق في الخــاطر والقلب مقطوب
ياما الهوى كــوّى والقلب يتمسمس
يا خــــــاطري ما شــانك ليه متعوب
ما باسمع الداعي لي في فراقك قط
با اصبر على ما فيني صبر أيــــوب
وان خفت من كيـــد الحساد باتلطلط
يا خــــــــاطري ما شـانك ليه متعوب
بَصْبُحْ وبَمْسِي في الوادي بجنب الشَّطْ
ليه الوُرِشْ عن عيني ليه محجـــوب
والنوم ما جـــــــاني والليـــل يتمطط
يا خــــــاطري ما شـــانك ليه متعوب
طبيب فــي الوادي ليتـه يـــــــداويني
من اللبن بأ للمـــــــارُوْد شخبـــــوب
والا عسل جـرداني مَــرح في صيني
يا خــــــاطري ما شــانك ليه متعوب
ليلي هــوى الوادي في قلبي يكويني
يمسي على القلب المــارود هبهـوب
لا عـــــاد دنيـا خــــــلّا لــي ولا ديني
يا خــــــاطري ما شــانك ليه متعوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المفردات: حِسّ: أحس. سَيْتَه: في لهجة أهل أبين تعني عملته. وُرِش: الجميل الأنيق واستبدالها عند المصريين (روش). حتى ولا من عينيك: حتى وإنْ و(لو) من عينيك. سعبوب: السعبوب هو اللعاب متى سال لا إرادياً من فم الطفل. أتلطلط: سأتخفى عن عيون الناس. يتمطّط: تورية: يتمطّى كالذي نهض من النوم، ويمتط اي يطول. بأ: أبغي. المارود: في لهجتنا تعني المريض. شخبوب: تصغير شُخب وهو الحلبة من ضرع الغنمة.
الشاعر: الأمير أحمد فضل بن علي محسن العبدلي الملقب بـ (القمندان) (1885 ــ 1943). ولد في مدينة الحوطة محافظة لحج ـ اليمن، هو أبو الغناء اليمني ورائده في كل جزيرة العرب بلا منازع. شاعر عامي فحل، وكاتب مجيد ومؤرخ ثقة. كتب الشعر العامي فتسلل إلى قلوب الناس إذ وجدوا في أغانيه تعبيراً عن مشاعرهم وما تلتهب به أفئدتهم من لواعج الغرام. غلبت على شعر الأمير بساطة المزارع وفرحة الفلاح ؛ فالأرض والزرع والخضرة والريحان هي غاية متعته، بل كانت المرأة وسيلته للتمتع بالفاكهة والرياحين أو مكملاً ضرورياً لذلك.
ترك الأمير القمندان ديوان شعر عنوانه: "الأغاني اللحجية" صدر عن مطبعة الهلال ـ عدن عام 1938م ، ثم وسّعه وأسماه:"المصدر المفيد في غناء لحج الجديد" وصدر عن مطبعة فتاة الجزيرة ـ عدن عام 1943، ثم عن دار الهمداني ـ عدن مرتين في 1983و1989م، وفي بيروت عام 2006 . وفي التاريخ ترك كتاب "هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن"(ثلاث طبعات)، وله أربع مقالات:"فصل الخطاب في تحريم العود والرباب" و"لمن النصر اليوم: لسبول الذرة أم لطبول المجاذيب؟"و"الخزائن المظلمة"و "وداع بيت على أكبار"، يجادل في الأولى السيد الحضرمي صاحب كتاب "رقية المصاب بالعود والرباب" ، ويدعو في الثانية والثالثة إلى التخلي عن الشعوذة وخرافات القرون الوسطى والسير نحو العلم والعمل والتحرر، وفي الرابعة يودع داراً استئجرها من هندي بعدن إبان الإحتلال العثماني للحج في الحرب العظمى. زاره الأديب الكبير امين الريحاني في لحج وأسماه في كتابه (ملوك العرب):"شاعر لحج وفيلسوفها" ووصفه بـ"سلك الكهربا في لحج". نشرنا عنه عدة مقالات بالمجلات والصحف وألقينا محاضرات جمعناها في كتاب: (القمندان.. الحاضر بمجمرة رومانسية).
الشاعر والملحن: عبدالله هادي سبيت ( 1918 ـ 2007 ) شاعر غنائي مجيد، وملحن وعازف ومغني متميز. ولد بالحوطة ـ لحج. عمل وكيلاً للمعارف في السلطنة اللحجية سنة 1948م.كان واحداً من رواد النهضة الفنية التي أسسها الأمير أحمد فضل القمندان بلحج. يستقيم شعره على الصورة ورقة المفردة وموسيقيتها وفيه تضمينات و(allusions) تدل على سعة قراءته في الأدب العربي. كتب ولحن القصيدة الغنائية والوطنية ، وكتب النشيد الديني. يجنح بعض شعره الغزلي نحو الصوفية. من أغانيه المشهورة: (يا باهي الجبين)، التي تغنّت بها كل اليمن عام 1957م، (القمر كم با يذكرني جبينك يا حبيبي)، (سألتني عن هوايا فتناثرت شظايا) و(هويته وحبيته) التي بثتها إذاعة صوت العرب بصوت إسكندر ثابت، (لما متى يبعد وهو مني قريب) التي غناها إبن حمدون وطلال مداح.. ترك لنا عدة دواوين منها: (الدموع الضاحكة)، (مع الفجر)، عام 1963م، (الفلاح والأرض) ملحمة شعرية بالعامية نشرت عام 1964م، (الصامتون) عام 1964م و (أناشيد الحياة) 1974م، و(رجوع إلى الله) بالفصحى عام 1974م.. نشرنا عنه كتاب: (عيش بالمرّ نشوانْ) وضم المداخلات التي قدمت في ندوة كلية التربية ـ صبر، لحج في 17 يونيو 1996م. توفي في 22 ابريل 2007م بمدينة تعز وقبره فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غناء: عبدالله هادي سبيت